من أرض الكنانة، وقبل 14 قرناً ضرب الخليفة الزاهد والإمام العادل والعبقري الورع درساً بليغاً في إقامة العدل في الإسلام عندما صاح صيحته المشهورة: (متى استعبدتم الناس، وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟!)، عندما أمر أحد العامة بالاقتصاص من ابن والي مصر آنذاك (الصحابي الجليل عمرو بن العاص) الذي تجرأ ابنه على ضرب قبطي سبقت فرسه فرس ابن ابن العاص. واليوم يستدير الزمان كما لو كانت أرض الكنانة تتلقف للتو ذلك الدرس البليغ والترجمة الصادقة لمعاني العدل المجرد من الهوى القائم على الحق المستمد من شرع السماء. يوم 3 أغسطس الحالي كان مشهوداً بكل المعايير، وسيظل كذلك طوال هذه الألفية فضلاً عن القرن الذي نستهل عقده الثاني بالربيع العربي الجميل. القضية ليست مجرد محاكمة، وليست مجرد قصاص، وليست مجرد دعاوى تُرفع وصحائف تُتلى وأقوال تُدون وشهود يذهبون ويأتون. الأمر أكبر من ذلك كله. إنها بداية التأسيس لعهد جديد في عالم جديد. عالم من الحرية، وعالم من العدالة، وعالم من المساواة وعالم من تكافؤ الفرص. يسود فيه القانون، وينتصر فيه الحق. وتعلو فيه قيم الفضيلة والشهامة واستعلاء الحق وتراجع الباطل. عالم خالٍ من قوانين الطوارئ، ومن بطش الظالم، ومن استغلال المنصب، ومن نهب الثروات وتبديد المال العام، ومن الزج بالأبرياء في السجون لمجرد أنهم لا (يعجبون) الحاكم، ولا يسيرون في ركابه، ولا يثقون في ألاعيبه. والقضية أكبر من مبارك ونجليه وطغمته الفاسدة، إنها قضية كل مسؤول يُستخلف على أمانة عظمى قوامها البلاد والعباد، ثم يفرط فيها أشد تفريط، ويتصرف فيها على أنها ملك خاص وعزبة مملوكة، بل أسوأ من ذلك وأنكى، فالمعتاد أن يحسن المالك النابه إدارة أملاكه الخاصة ويولي على إدارتها ومؤسساتها الأقوياء الأمناء الناصحين المجتهدين، لا السفهاء التافهين الذين لا تهمهم سوى مصالحهم الضيقة وتطلعاتهم الرخيصة. إن مصر الكنانة تؤسس في شهر الانتصارات الكبرى في تاريخ الاسلام لانتصار عظيم هو الآخر. إنه فتح كبير يفتح الله به على هذه الأمة التي عانت طويلاً وصبرت كثيراً وحُق لها اليوم أن تفرح بنصر الله فرحاً عظيماً. [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (2) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain