محاكمة الرئيس المخلوع حسني مبارك ونجليه وعدد من كبار مساعديه ، هي أكبر تحول في التاريخ العربي الحديث حسب رأيي . المشهد مشحون بالرموز والدلالات التي يصعب حصرها ، ليس فقط لأن مبارك هو الرئيس المخلوع للدولة العربية الكبرى ، وإنما أيضا لأن المحاكمة أنهت مرحلة طويلة من الشك انتابت الثوار وجعلتهم يندفعون في اتهام المجلس العكسري بالتورط في محاولة حماية مبارك وكبار رموز نظامه . محاكمة مبارك فضلا عن كونها اول انتصار حقيقي وكبير تحققه الثورة بعد خلع الرئيس السابق ، فإنها تكتسب أهمية إضافية من كونها أول مؤشر ملموس على زوال مرحلة وبداية مرحلة جديدة في المنطقة بأسرها . الأربعاء الماضي أعلنها المصريون واضحة ومدوية : الشعب هو السيد ، ولا أحد فوق المحاسبة ، ولا تفريط في الحقوق بعد اليوم . الرسالة وصلت للجميع : مصر ومعها المنطقة العربية بصدد خلق ثقافة عامة جديدة لا مكان فيها للخوف أو التعايش مع الطغيان أو مهادنة الظلم أو استمراء الذل . وإذا كان مشهد الديكتاتور العراقي صدام حسين وهو يمثل أمام المحكمة التي احتمت بحراب الغزاة يمثل قمة الذل على الرغم من كل ما ارتكبه صدام من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق شعبه وبحق شعوب أخرى ، فإن مشهد مبارك وهو يمثل أمام المحكمة تنفيذا لإرادة شعبية كاسحة وتحقيقا لعدالة طال غيابها ، هو أهم مظهر من مظاهر العزة في تاريخ الأمة الحديث . مشهد مبارك وهو يدخل إلى قاعة المحكمة محمولا على سرير ، سيبقى خالدا في ذاكرة المصريين أكثر حتى من مشهد اقتحام قناة السويس والعبور إلى الضفة الشرقية منها . إنه أكبر انتصار تحققه الإرادة الشعبية المصرية ربما منذ أيام الفراعنة وحتى الآن . المصريون الآن لا يحاكمون شخص مبارك ، وإنما يحاكمون عهدا كاملا بكل ما يمثله من تسلط وقمع وفساد وإذلال للبشر وغياب مطلق لمبدأ المحاسبة . المسألة ليست مسألة ثأر أو قصاص كما قد يعتقد البعض، الموضوع يتجاوز ذلك حيث بدا المشهد كتجسيد عملي لإرادة شعبية تسعى إلى طي ملف تاريخي طويل من الذل ، وتدشين مرحلة جديدة قائمة على العدالة والحرية والمساواة والمشاركة والمصارحة والمحاسبة . العملاق المصري سيولد من جديد من قاعة اكاديمية الشرطة بالقاهرة . للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (7) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain