وأنا أعود بذاكرتي إلى ما قبل عقدين من الزمن عندما كانت وأقول كانت منطقة الباحة تكتظ بالسياح من مختلف مناطق المملكة ومن الدول المجاورة، وكانت حينذاك تفتقد للكثير من مقومات السياحة الحضارية كالفنادق والشقق المفروشة والملاهي الحديثة وكافة أجهزة الإعلام المرئية وأجهزة الاتصال لكن طبيعتها الساحرة التي حباها الله سبحانه والمتمثلة في غاباتها الكثيفة التي تتخللها الأودية الجميلة والشعاب الساحرة بما فيها من جداول وعيون في غاية الصفاء والنقاء بالإضافة إلى أهلها الطيبين الكرماء الذين يتسارعون إلى فتح مزارعهم بما تحتويه من خيرات لأولئك السياح فيتخذ البعض منهم من تلك المزارع مقرا لإقامته كيفما شاء، أو كان البعض من أولئك السياح ينصب خيامه على أطراف الأودية التي تتحلى بأشجارها الكثيفة وزقزقة عصافيرها التي ترحب بقدومهم وتتغنى به على أصوات خرير المياه الجارية طوال العام. أقول وأنا استلهم تلك الأيام الجميلة وأقارنها بما آلت إليه في هذه المرحلة الزمنية التي تغير فيها كل شيء وبدأت تعيش حالة من التجاهل الكبيرمن معظم مؤسسات الدولة.. أقول إن دولتنا عافاها الله لم تبخل أبدا بعطاءاتها المتلاحقة لكافة المناطق بهذا الوطن الكبير لكن بعض المسؤولين هم الذين قصروا في أداء واجبهم فاتجهوا باتجاهات استحواذية لبعض المناطق دون الأخرى إما تجاهلا لها أو تقصيرا من القائمين عليها وبالرغم من حالة الرخاء التي عمت كافة مناطق المملكة من المشاريع العملاقة ذات الصبغة الاستراتيجية التي تهدف الى الحركة التنموية بعيدة المدى إلا أن منطقة الباحة كانت خالية من مثل تلك المشاريع ولعلي هنا أخص المشاريع السياحية العملاقة لاستثمار الطبيعة الساحرة لتلك المنطقة التي كانت تجذب مثل أولئك السياح قبل الطفرة الحضارية التي عاشتها دولتنا في مختلف المجالات حيث أرى أن منطقة الباحة لم يلتفت إليها بمثل تلك المشاريع، وما حدث ماهو إلا نتيجة طبيعية لحالة شاملة عاشها الوطن بأكمله لكن التخصيص لاستثمار تلك الثروة السياحية لم يحدث فالمشاريع البلدية التي تقام بالمنطقة للأسف الشديد متهالكة ولا تليق أبداً بحجم الانتفاضة الحضارية التي نعيشها ولن أخصص جانبا واحدا بل أترك لكافة الجهات ذات العلاقة وفي مقدمتها وزارة الشؤون البلدية والقروية ووزارة الزراعة والمياه وهيئة الاتصالات والهيئة العليا للسياحة والآثار أترك لهم البحث والتقصي والمتابعة والمحاسبة فهل يعقل أن تكون المتنزهات التي تقيمها أمانة المنطقة وبلديات محافظاتها بتلك الصورة الهزيلة البدائية التي لا ترضي أبداً طموح المواطن وتطلعات القائد وهل يعقل أن توضع العراقيل الممتدة في سبيل حصول مواطني المنطقة على مخططات حديثة منظمة للخروج من دوائر قراهم المعلبة، وهل يعقل أن توضع العراقيل أمام المواطنين الذين يمتلكون الكثير من الأراضي التي تعد ملكا لآبائهم وأجدادهم كانوا يتخذونها مزارع فتحاسب مثل تلك الاراضي المشاعة والمفتوحة بالمدن الكبرى وتختلف كثيرا عن ذلك الواقع؟ هل يعقل أن تبقى المنطقة دون شبكات مياه محلاة تفي بحاجتها؟ وهل يعقل أيضا وفي ظل ثورة الاتصالات التي نعيشها ويعيشها العالم من حولنا أن تبقى بعض قرى المنطقة دون هواتف ثابتة وهذا يحدث في الكثير من تلك القرى في قلب المنطقة؟ وهل يعقل أن تكتفي الهيئة العليا للسياحة والآثار بالفرجة على ذلك الهدر السياحي لأفضل مناطق المملكة طبيعة ومناخا ويكون دورها قاصرا على متابعة حالة الشقق المفروشة التي يمكن أن يقوم بذلك جهة أخرى؟ وأين تلك المشاريع السياحية التي تسجل كعلامة إثبات لهيئتنا المكرمة؟. وختاما أتوجه بسؤالي إلى الميسورين من أبناء المنطقة وهم كثر والحمدلله فأقول لهم إن القصور حيال خدمة منطقتكم وبناء المشاريع الكفيلة بها وإدخال الحراك الاقتصادي إليها يتلبسكم من كل اتجاه، فهلا التفتم إليها فهي في حاجتكم وحاجة دعم تنميتها؟ إنها أسئلة محب لهذا الوطن ستبقى مطروحة حتى تجد الإجابة فعلا على الأرض ليخرج بها من عالم النسيان والإهمال والله تعالى من وراء القصد.