عدت قبل أسبوعين من زيارة للسجن الرسمي العام والأكبر في السويد، وفيه (150) شخصاً فقط، وهو السجن الوحيد!، في داخل السجن كل النزلاء بكافة أعمارهم ومستوى جرائمهم، المكان الذي تم اختياره للسجن (يفتح النفس)، حديقة ذات بهجة واسعة وفي وسطها السجن. يلفت نظرك عند الدخول الشكل الجمالي الخارجي، والزهور الملونة المحيطة بالمكان، استقبلنا مسؤول السجن الإداري، ومسؤول الأمن، وأخذتنا الدهشة ونحن لم نرهم يحملون سلاحاً لا هنا ولا هنا!، فمسؤولو الأمن متدربون أولاً على الحوار مع السجناء (النزلاء) مهما كانت ظروفهم وهمومهم، ومع ذلك يستطيعون احتواء أي موقف بأساليب بعيدة عن القهر النفسي، والعنف البدني. تدخل السجن، وإن شئت (المنتجع)، لترى نظافة المكان، والرائحة الجميلة، والمطعم المفتوح الذي يحوي بوفيها مفتوحاً، وحلويات!، ثم تذهب لترى غرف الترفيه والألعاب الرياضية، وإن شئت الثقافة، فدونك مكتبة عامرة ومرتبة، فيها ما لذ وطاب من الكتب الإنجليزية والفرنسية والألمانية والسويدية والإيرانية وطبعاً العربية!. ولربما يأخذك العجب كما حصل معنا عندما ترى غرف السجناء وأنها عبارة عن غرفة فيها سرير نظيف وجديد، وهاتف محلي، وتلفزيون به العديد من المحطات، وطاولة مكتبة، ودولاب ملابس، بشكل أنيق، تطل نافذته الأولى على حديقة، وتطل نافذته الأخرى على ساحة واسعة، لا يتسلل إليها الضيق من أي اتجاه! وبعد، فقد يقول أحدنا، وهل بهذا الوصف والحال يتربى السجين، ويعود إلى رشده؟، والجواب وهو ما قاله المسؤولون عن السجن من قناعاتهم ابتداءً أنهم يتعاملون مع بشر قبل كل شيء، وعقوبة خطئهم لا تعني حرمانهم من حقوقهم المشروعة من الصحة والطعام والعيش الكريم والقراءة الجميلة والاستمتاع بالحياة!، وأهم من ذلك أنهم يعتبرون السجين في فترة (معالجة) وليس (عقاب) فقط، ولذا تجدهم يتعاملون مع السجين بكل رقي، ويضعون له جداول للعلاج النفسي والفكري ليكون إنساناً صالحاً في المجتمع. ثم إن النتائج التي وصلوا إليها زادتهم قناعة بهذا الأسلوب الإنساني فضلاً عن القانوني. وبمقارنة ما عليه حال السجناء في أوطاننا العربية، ونسبة من يعود إليها والذين بلغوا في المتوسط العام من (60 - 70%) في الكثير من الوطن العربي، نستطيع أن نلمس الأبعاد لطريقة علاجنا لواقع السجناء، وواقع البلاد الغربية. ثم قد يقول قائل: إنك تنفخ في رماد، أو تضرب في جسد ميت، فالأنظمة العربية المستبدة لا ترى صورة لتمكينها إلا بإدخال الرعب في نفوس أبناء البلد، أو بالتلويح بالعقاب لعوائل السجناء، إن تمرد ابنهم السجين!. هناك في سجن السويد، ومثله في الدول الاسكندنافية، وسواها من الدول المتقدمة إنسانياً وحضارياً وديمقراطياً، يوزع على السجين عند دخوله كتيب يوضح له كافة حقوقه التي يكفلها القانون، حتى يستطيع الحصول على كافة ماله، والدفاع عن أي شيء يتعرض له. وكون الهاتف بين يديه، فله أن يعبِّر عن كل ما يريد، مما له أو عليه، لينسجم مع واقعه، حتى يصلح حاله، ويكون عضواً صالحاً في مجتمعه. بل لا نعجب بعد ما ذكرنا أن لجنة تمر كل أسبوعين تناقش مستقبل السجناء، وترتب بشكل دوري مواقعهم النافعة، لتكميل احتياجاتهم، والاستعداد لذلك. إننا لو أردنا أن نسرد الفروقات بين تلك الدول، وبين واقع السجون في الأوطان العربية لطال الحديث، مما يدعو إلى اللطم على الواقع العربي ربما!. لكن أهم ما نريد قوله هو أن مفهوم (الإنسان) بين تلك الدول وبين البلاد العربية والإسلامية مختلف!. وعند فهم هذه النقطة الجوهرية سيكون من التفاهة الحديث عن إصلاح الحمامات، وتوسيعها، وتحسين نوعية الطعام، ونظافة المكان، وغرف النوم، لأنها تحصيل حاصل، وفرض لازم، للإنسان أياً كان فعل الإنسان!! [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (25) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain