استقبلت صديقي الفار من طقس الكويت ، استقبلته في مدينة جدة تحت درجة حرارة بلغت ذلك اليوم 40 درجة ، وفاجأني بقوله : « والله الجو عندكم رحمة « ! . . وتفقدت مكاني ظاناً بأنني في مدينة أبها ، أو الباحة ، أو النماص ، ومع ذلك قدّرت له هذه المجاملة اللّطيفة ، وشكرته بالنيابة عن سكان هذه المدينة الذين يسبحون في رطوبتها ، لاسيما بعد أن أبلغني بأن درجة الحرارة في الكويت بلغت ( 53 ) درجة ، وتركته ينعم بأجواء عروس البحر ويتجول في أرجائها ، لكنه لم يلبث أن غادرها بعد يومين من وصوله إليها ، ليس بسبب ( حرِّها) وزيادة رطوبتها ، بل بسبب زحمة شوارعها ، وبسبب الحواجز الإسمنتية والترابية التي أغلقت أهم شوارعها وميادينها ، كما فشل جهاز ال( garmen ) الذي يستخدمه ضيفي في تسهيل تنقلاته عبر الأقمار الصناعية - فشل - في فك رموز ذلك التشابك ، وتلك التحويلات التي أصبحت سمة تتميز بها شوارع مدينة جدة ، وحينما سألني : « كيف تتعامل مع هذا الزحام « ؟ أجبته بأنني « رهين البيت « لاأغادره إلا عند الضرورة أو السفر !. شعور جميل أن ترى الأشقاء يزورون بلادك ، وأن ترى مواطنيك يزورون مدينتك ، ولكنك تشعر بالحزن والأسى حينما تسرق كثرة ( التحويلات ) فرحتهم ، وتستنفد صبرهم ، ويتوهون عند كل خروج لهم . جميلٌ أن تقتطع بلادنا جزءاً من « كعكة السياحة « حتى وإن كانت هذه من مواطنيها الذين كانوا يتخذون من الشرق ومن الغرب وجهة سياحية لهم ، ولتكن تجربة يقرر فيها ( السائح المواطن ) عما إذا كانت تجربة ناجحة أم فاشلة . وبدا لي أن السياحة هي « اكتشاف وتغيير « أكثر منها هروب أو لجوء إلى طقس ، بدليل أن نسبة كبيرة من أهالي أبها ، والباحة ، والنماص ، والطائف ، يودِّعون مدنهم في عز الصيف ويتجهون إلى مدينة جدة ، معقل الزحام والرطوبة ، يسحرهم بحرها وصخبها ودفء شواطئها ، والبعض الآخر يتجه إلى ( دبي ) التي تتعدى درجة الحرارة فيها ال( 45 ) درجة ، تجذبهم مبانيها الشاهقة ، ومقاهيها العصرية ، وخليجها عالي الزرقة ، كل ذلك من أجل التغيير فقط . وكما للسياحة من فنون ، فلها عند بعض السياح ( جنون ) ، فهناك فريق لايهتم عند سفره بالطقس قدر اهتمامه بزيارة المعالم والآثار ومسارح الحروب ، ولذلك يفضل البعض زيارة ( أفغانستان ) والاستمتاع بمشاهدة المناظر الساحرة ، والكنوز الأثرية ، وكذلك أماكن الصراع في مدن ( باميان وتورابورا ) وزيارة بعض الكهوف الشهيرة التي كان يختبيء فيها الأفغان إبان الإحتلال السوفيتي ، بينما تشهد الباكستان تدفقاً غربياً من السياح لزيارة مدينة ( أبوت آباد ) وإلقاء نظرة على المنزل الذي اختبأ فيه زعيم القاعدة وقُتل فيه . إذن السياحة (هروب ) و (هجرة ) قد تكون لطلب المناخ البارد والساحر ، وقد تكون بدافع ( التغيير ) من الروتين الممل ، أو بطلب المعرفة وحب الاستطلاع . وكل صيف وأنتم بخير . [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (24) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain