في الحلقة الماضية طرحت سؤالين فحواهما يقومان على الأثر المتبقّي من طريق "الفيل".. وماذا عساي أنْ أجد من بقايا تلك الرّحلة التي أَقْدم عليها أبرهة؟! وللحقيقة أنَّ هناك شعوراً جميلاً انتابني وأنا أقف على بعض أجزاء الطّريق وسرحت في قصّة أبرهة الحبشي يوم عزم على هدم الكعبة وقد حدثنا القرآن الكريم عن تلك الحادثة بكل تفاصيلها.. لكن ماذا في كتب التّاريخ، فمثله كلام قمين بأن يصحبنا في هذه الرّحلة، وفي هذا المقام.. في سطور التّأريخ أنَّه بوصول مكةالمكرمة إلى ذروة شهرتها كما تذكر بعض المصادر دخلت في صراع تجاري مع دولة الحبشة وحاكمها أبرهة الحبشي الذي رأى في مكةالمكرمة صيدًا سهلاً لبسط السّيّطرة التّجاريّة على أهم مركز تجاري في الجزيرة العربية وطريق الفيل، فجهزّ جيشًا عامرًّا وزوّده بالفيلة وسار به إلى مكةالمكرمة في سنة 570م متذرّعًا بأنَّ أحد أعراب كنانة قد دنّس كنيسة صنعاء المسماة" القليس" وأنَّ عليه الاقتصاص بمهاجمة وتدمير الكعبة في مكة. وقد مرَّ أبرهة الحبشي بهذا الطّريق الذي أكتسب شهرة واسعة بسبب هذه الحملة شرق جبال ومرتفعات عسير والحجاز مرورًا بديار "خثعم" والتي كانت تنزل في الهضبة الممتدّة من نجران إلى الطائف، وتشمل شرق منطقة الباحة حاليًا حيث تصدت له خثعم وحاربته بقيادة نفيل بن حبيب الخثعمي؛ ولكنَّه هزمهم وأسر منهم خلقًا، ثمَّ وصل إلى الطائف ونزل إلى ضواحي مكة واستولى على أموال قريش؛ لكنّه عجز عن دخول مكة حيث أرسل الله على جيشه الطير الأبابيل الذي أباد جيشه وشتته مما جعله يتراجع، ويزداد نفوذه قريش وزعامتها على التجارة وطرقها. هذه القصة في نصوع تفاصيلها، تجعل من هذا الطريق فرصة لإدراك مسعى "النّهايات الطّائشة"، ورغم أهميته الأثرية والاعتبارية إلاّ أنَّ أغلب معالمه قد اختفت لعدة عوامل، لعل أبرزها الإهمال الذي طال الكثير من المعالم الأثريّة ذات البعد التّاريخي، ومن هنا فلم يتبق من هذا الطريق سوى بقية لم تصلها يد الطّبيعة وأيادي العابثين، وهي كما رأيت تتركز في المناطق المرتفعة. وطريق الفيل عبارة تطلق على المسلك أو الطّريق الذي مرّ به أبرهة الحبشي بجيشه وأفياله – كما قلت سابقًا- في محاولته لنيل من الكعبة المشرفة المذكورة في القرآن الكريم. الطّريق بمنطقة الباحة من أقصى شمالها الشرقيّ، إلى شمالها الغربي بطويل يزيد عن 50 كم يمرّ مخترقًا وادي جعبة، ثمَّ مركز جرب التي وقفنا عليها- ثمَّ حرّة الذّراع، ثمَّ حرّة الحزم قاطعًا وأدي حفيلة، مرورًا شمال جبل بضيع، مرورًا بجوار بئر الحويل شمال الربوة، مرورًا شمال جبل الطّراة، مرورًا بجوار قرية الحائط قاطعًا وادي كرا، ثمَّ مرورًا شمال فرثة، ثمَّ مرورًا شمال مركز تربة الخيّالة قاطعًا وادي شريان، ثمَّ الحرات الواقعة غرب تربة الخيالة، قاطعًا وادي وراخ في أسفله جبل البارد، ثم قاطعًا وادي بيدة في أسفله، ثمَّ قاطعًا وادي تربة، ثمَّ خروجًا من منطقة الباحة متجهًا جنوب جبل زغلة باتّجاه الطائف. وفي الحلقة القادمة نقف على وصفٍ للطّريق يقارب الواقع ولا يخالفه- إنْ شاء الله.