كان معالي وزير الخارجية المصري محمد عبدالحي العرابي مشغولًا أمس باستقبال وزير الخارجية التركي داوود أوغلو الذي حل ضيفًا على مصر للتحضير لزيارة مرتقبة لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أرودغان. وكان مشغولًا أيضًا بإعداد ملفاته لزيارة المملكة اليوم التي تكتسب أهميتها من أنها أول زيارة لدولة منذ توليه منصبه. ورغم ذلك بادرنا قائلًا: حين التقينا به في أول حوار مع صحيفة سعودية منذ توليه حقيبة الخارجية: أنا ذاهب إلى المملكة غدًا (اليوم).. هذا الكم الكبير من التواضع والبساطة حفزنا لنطرح عليه كل تساؤلاتنا بما في ذلك ما يعتبره البعض من المسكوت عنه، وبقدر كبير من الشفافية التي لا تصادر الدبلوماسية أجابنا على ما سألناه عنه. * معالي الوزير.. أنتم غدًا (اليوم) في المملكة في أول زيارة لدولة عربية بعد توليكم منصبكم رسميًا.. هل لذلك من دلالات؟ - بالتأكيد.. هذا هو الخط الطبيعي للسياسة الخارجية المصرية حيث الأولوية لفضاء مصر العربي.. وعندما نتحدث عن فضائنا العربي فإن السعودية هي قلب الفضاء.. ولذلك جاءت كأول دولة أزورها بعد مشاركتي في القمة الإفريقية في غينيا الاستوائية.. ولا شك أن العلاقات المصرية السعودية تتسم دائمًا بالخصوصية والتنسيق المصري السعودي يظل ضروريًا في كل المراحل. * أذن ما هما الملفات المطروحة على طاولة مباحثاتكم وخصوصًا مع صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية؟ - ملفان هما الأبرز في لقائي بالأمير سعود الفيصل.. الملف الأول هو العلاقات الثنائية بين الشقيقتين ولا شك أن هذه العلاقات المتميزة والمتجذرة تستدعي دومًا الوصول إلى سبل وآليات لتدعيمها وتوسيع آفاق التعاون للوصول إلى مستوي يليق بهذه الخصوصية.. ولا شك أن الإرادة تتوفر لدى الدولتين لتحقيق هذا الهدف. أما الملف الثاني فيتعلق بالراهن العربي الذي يحفل بالكثير من المناطق الملتهبة بدءًا من الأوضاع في ليبيا والتطورات في سوريا والسودان الذي يشهد دولة وليدة بداية هذا الأسبوع. ومن ثم فان الحاجة ماسة إلى التعرف على المواقف السعودية والوصول إلى تنسيق فاعل بين الدولتين الشقيقتين يحفظ للأمة العربية مصالحها ويحقق لشعوبها طموحاتها.. ولا يخفي أننا نسعى لتكوين موقف عربي موحد بالنسبة للقضية الفلسطينية. وهل سيكون مطروحًا للبحث ما يقوله البعض عن تخوفات خليجية من رغبة مصرية في فتح صفحة جديدة لعلاقاتها مع إيران؟ - دعني أتحفظ على مصطلح «تخوفات».. هذا المصطلح المدسوس على علاقات مصر الخليجية، جميع الدول الخليجية الشقيقة ومن بينها المملكة تعرف مواقف مصر جيدًا، وتدرك أيضًا دوافع وسلوك السياسة الخارجية لهذه التخوفات التي لا أعتقد أنها موجودة أصلًا. - ربما كان ذلك هو الدافع وراء تأكيدكم المستمر وفي كل المناسبات، وآخرها على هامش القمة الإفريقية في غينيا الاستوائية، حيث أكدتم أن أمن الخليج من أمن مصر وأن القاهرة تعتبر أمن الخليج خطًا أحمر؟ - أنا هنا لا أبتدع سياسة جديدة ولا أتحدث عن سياسات مرتهنة بواقع ما، هذه سياسة مصر في كل المراحل والعهود وإحدي ثوابت السياسة الخارجية المصرية التي تعتبر أمن الخليج خطًا أحمر، وأنه أمن لمصر وأمن مصر للخليج. * ربما كان من قبيل إثارة الغبار بعض التحليلات عن تغير في مواقف المملكة من «مصر الجديدة» أو مصر ما بعد الثورة. - المواقف السعودية تجاه مصر معروفة وثابتة وتقوم على علاقات راسخة بين الدولتين الشقيقتين ولم ولن تتغير، ودعنا من هذه التحليلات والاجتهادات غير البريئة، فهناك ثوابت موجودة تتكئ عليها هذه العلاقات، ولا يمكن أن تنسجم معها هذه الاجتهادات، فالسياسة الخارجية السعودية يهمها أن تكون مصر قوية ومستقرة، وهي لم ولن تدخر وسعًا من أجل ذلك، ونحن ندرك هذه الحقائق دائمًا، ومرة أخرى لنتجاوز عن هذه التحليلات والاجتهادات. * معالي الوزير، تحدثتم عن ترتيب «البيت من الداخل»، فهل انتهيتم منه؟ * تعني حتمًا وزارة الخارجية، وأستطيع أن أقول إننا انتهينا من ترتيب جزء كبير يمكننا من العمل بفاعلية. * هل يأتي هذا الإطار إنهاء خدمات سبعة من الملحقين الإعلاميين أمس؟ - نعم لأننا لسنا بحاجة إلى خدماتهم، ولكن ذلك يأتي في إطار أوسع ولا شك انه لكي نعمل جيدًا يجب أن نرتب أنفسنا ونضع قواعد ونجري بعض التغيرات في القيادات بما يمكننا من استثمار كفاءات عظيمة لدي الوزارة. وكذلك استحداث إدارة جديدة ومنها إدارة فلسطين في ديوان عام الوزارة وتابعة مباشرة لوزير الخارجية تأكيدًا للأهمية الكبيرة التي توليها الدبلوماسية المصرية للقضية الفلسطينية كما إننا في وضع استراتيجي جديد يتطلب صياغة موقف عربي موحد بالنسبة للقضية الفلسطينية لدعم الموقف الفلسطيني في عملية السلام. * لكن هناك حملة إسرائيلية لتشويه صورة وزير الخارجية تعتمد على معلومات متناقضة: النوع الأول من هذه المعلومات يركز على أن السفير العرابي شغل منصب نائب السفير المصري في تل أبيب بين عامي 1994و1998 وأنه سكن مع عائلته في منطقة «رمات هاشارون» واكتسب العديد من الأصدقاء الإسرائيليين وأنه أحد المؤيدين لاتفاقيات السلام وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، أما النوع الثاني من هذه المعلومات فيعتمد إلى إثارة المخاوف من أن العرابي سيتبع نفس سياسات خلفه الدكتور نبيل العربي المناهضة وغير المهادنة مع إسرائيل. - أنا لا تشغلني هذه الحملة فلم أكن في إسرائيل للسياحة ونشاطي في تلك الفترة كان يركز على السعي لفهم هؤلاء، لقد عملت في إسرائيل عملي الدبلوماسي الذي أخدم من خلاله مصر وما يهمني في الفترة الحالية هو تحقيق مصالح المصريين والحفاظ على أمننا الوطني والقومي. * البعض يقول إن وزير الخارجية له ميول واضحة نحو أوروبا والغرب وآخرون يرون الوزير أكثر انحيازا للاقتصاد عن السياسة، فماذا تقولون؟ - هذا كلام غير صحيح، فأنا لا أميل إلى بقعة جغرافية ولا يمكن أن ترتهن سياسة مصر الخارجية ووزير خارجيتها إلى منطقة محبذة أو منفضلة، ومصالح مصر هي المؤشر والمعيار سواء جاءت من الاقتصاد أو من السياسة، وكما قلت فإن الدول العربية هي دائرة الاهتمام الأولي ثم عودة مصر إلى حضن إفريقيا وتطوير العلاقات مع دول الجنوب وخاصة حوض النيل.. ثم عدم تجاهل القوي الكبرى في العالم مثل الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي والحفاظ على علاقات طيبة مع الجميع من اجل مصلحة مصر أولًا وأخيرا وفي هذا الإطار لا يمكن أن نتجاهل البعد الاقتصادي وأهميته في تحقيق آمال المصريين والعمل على تنشيط وجذب الاستثمارات الأجنبية لدعم الاقتصاد المصري في هذه الفترة الحرجة.. وسوف نواصل الاعتماد على الدبلوماسية الناعمة التي ترتكز على ما تتمتع به مصر من مكانة تاريخية وثقافية تؤهلها لاقامة علاقات وطيدة مع كل دول العالم. * معالي الوزير، ماذا قال لكم سلفكم الدكتور نبيل العربي وهو يسلمكم حقيقة الخارجية؟ - الدكتور العربي أستاذ فاضل لنا جميعًا، وقد تمني لي الخير وأكد أننا قادرون على حمل تبعات المنصب ونأمل أن نكون عند حسن ظن مصر بنا. - سؤال أخير معالي الوزير، حول أول الملفات التي فتحت بعد ساعات من تسلمكم منصبكم ويتعلق بالوثيقة التي تم تسريبها من الخارجية بخصوص ما قيل عن موافقة عمرو موسي على تصدير الغاز. - ليس هناك أي تسرب ووثائق الخارجية محفوظة لكن للأسف هناك بعض الأشخاص الذين يهوون أن يكون لهم «أرشيف خاص» هو الذي قام بتسريب هذا الخطاب وهو عمل مقبول وغير احترافي، وهو أيضًا «غير أخلاقي» لأنه يستخدم، ويهدف إلى محاولة تشويه صورة عمرو موسي والإساءة إليه.