اذا استطاع النشطاء المؤيدون للفلسطينيين على غير المتوقع تجاوز الحصار البحري الإسرائيلي على قطاع غزة في الأيام القادمة فإنهم قد يندهشون مما سيرونه في القطاع الذي تديره حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) حين يصلون اليه. سيجدون تمهيد الطرق جاريا على قدم وساق وأيضا بناء المنازل كما سيجدون سيارات جديدة في الشوارع المزدحمة اما المتاجر فتمتلئ بالمنتجات المتنوعة. حتى مشكلة البطالة المستمرة منذ فترة طويلة بدأت تتحسن قليلا مما يرفع من مستوى المعيشة لقلة محظوظة. وقال كارم حسون وهو عامل بناء: «لقد مكثت بدون عمل من عام 2007 ولكنني اليوم اختار ما أريد عمله. الحياة ابتسمت مرة أخرى لي ولاطفالي السبعة.» لكن المشهد وراء مواقع البناء والسيارات الفاخرة القليلة واضح فالواقع اليومي القاتم للحياة اليومية في غزة يقول ان اكثر من 70 في المئة من السكان مازالوا تحت خط الفقر بعد سنوات من العزلة والصراع والحرمان. وللعام الثاني على التوالي يتجمع نشطاء دوليون في البحر المتوسط في مجموعة متعددة من السفن ويعتزمون تحدي الحصار البحري الذي تفرضه اسرائيل على القطاع الساحلي الذي يصفونه بأنه غير قانوني ولا انساني. وفي العام الماضي قتل تسعة نشطاء أتراك حين اعتلت القوات الاسرائيلية سفينة متجهة الى غزة كانت في طليعة قافلة سابقة. وتقول اسرائيل إن جنودها تصرفوا في إطار الدفاع عن النفس وإن حصارها يهدف الى منع وصول أسلحة الى حركة حماس التي ترفض نبذ العنف. لكن في مواجهة موجة غضب دولية لسقوط هؤلاء القتلى خففت اسرائيل من حصارها مما دعم اقتصاد غزة المتعثر ومكن الحكومة الاسرائيلية من أن تقول إن محاولة كسر الحصار البحري تحركها أغراض سياسية اكثر منها مخاوف انسانية. ويرى سكان غزة الأمور بشكل مختلف. وفي حين يتفقون على أن هناك كميات اكثر كثيرا من السلع على أرفف المتاجر فإن الشيء الوحيد الذي لايزال شحيحا هو الأمل في المستقبل في قطاع ينتمي ثلثا سكانه لعائلات من اللاجئين. ويبلغ عدد سكان القطاع 1.5 مليون نسمة. وقال عمر شعبان وهو خبير اقتصادي معروف: «بلا شك غزة هي عبارة عن سجن. ربما أحوال السجن تحسنت ولكنه يبقى سجنا.» وأضاف «بالتالي تظل آمال الناس في مستقبل افضل تصطدم بالواقع وستبقى معلقة الى ان تنهار جدران السجن.» ويجري نقل ما يقرب من ستة آلاف طن من الأغذية والوقود والإمدادات الأخرى الى قطاع غزة يوميا عن طريق اسرائيل. لكن من بين المواد التي ترفض إدخالها بشكل متكرر الأسمنت وحديد التسليح وهما مادتان لازمتان للمساعدة في إعادة الإعمار بعد الحملة العسكرية التي شنتها اسرائيل ضد قطاع غزة في شتاء عام 2008- 2009 . وتقول اسرائيل إنه اذا لم تكن هاتان المادتان موجهتان الى مشاريع محددة تحت رعاية اجنبية فربما تستخدم في إقامة خنادق وتصنيع أسلحة. وأدت الثورة المصرية التي اندلعت مؤخرا الى تراجع الإجراءات الأمنية في سيناء مما سمح للمهربين بإدخال المزيد من المؤن عن طريق الأنفاق وهو ما يساعد في إعادة إعمار البنية التحتية لغزة. ويقدر علاء الرفاتي وزير الاقتصاد في حكومة حماس بغزة أن ما يصل الى 14 الف عامل عادوا الى العمل في قطاع البناء في الأشهر القليلة الماضية وأن نحو الف مصنع معظمها مشاريع عائلية صغيرة استأنفت نشاطها. ويعتقد الرفاتي أن نسبة البطالة انخفضت الى نحو 25 في المئة في حين أن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة تقدر الرقم بنسبة 45.2 في المئة. وقال الرفاتي: «نحن لا نقول ان الحصار قد انتهى ولكنه فشل في تحقيق اهدافه، الوضع في غزة هو ان الناس يرفضون أن يعترفوا ويسلموا بالحصار وإنما يتحدونه بالوسائل القليلة التي يمتلكونها.» وتبدو قلة الوسائل واضحة في اي ورشة او موقع بناء تقريبا. وقطع الغيار شبه منعدمة في حين أن القرميد ومواد البناء قد تحملها عربة يجرها حمار كما تحملها شاحنة او جرافة. ومما يفاقم المشكلات انقطاع الكهرباء بشكل متكرر عن القطاع ذي الكثافة السكانية العالية اذ تنقطع لما يصل الى ثماني ساعات في اليوم وهو ما يزيد الوضع سوءً في ظل حرارة الصيف الشديدة والرطوبة. وقال الخبير الاقتصادي شعبان «أيضا لا يوجد أي عملية تصدير حقيقية وبالتالي لا يمكن ان تتحقق عملية انعاش اقتصادي. حرية الناس في الحركة مقيدة ومعظم اهالي غزة لا يستطيعون مغادرتها ان أرادوا.» وقالت مصر الشهر الماضي إنها ستخفف من القيود على سفر الفلسطينيين لكن هذا لم يحدث أثرا يذكر حتى الآن. كما أنه من شبه المستحيل أن يدخل ابناء غزة اسرائيل او ينتقلوا الى الضفة الغربية التي يوجد للكثيرين أصدقاء وأقارب بها. والوسيلة الوحيدة تقريبا حتى يدخل سكان غزة الى اسرائيل هذه الأيام هي أن يكونوا في حالة مرضية سيئة وبحاجة الى رعاية طبية عاجلة. وقال محمود ضاهر مدير مكتب منظمة الصحة العالمية في غزة إن نقص الأدوية والمعدات الطبية بلغ مستوى «لم يسبق له مثيل» مما فرض إلغاء بعض العمليات وإجلاء المرضى. غير أنه لا يمكن الإلقاء باللائمة في هذه المشكلة على اسرائيل مباشرة. وقال ضاهر إن السببين الرئيسيين هما عدم سداد السلطات الفلسطينية مستحقات الموردين في موعدها وعدم التعاون بين السلطات الصحية في الضفة الغربية التي تسيطر عليها حركة فتح وغزة التي تديرها حركة حماس. وأعلنت حركتا حماس وفتح عن اتفاق مفاجيء للمصالحة منذ شهرين. ومنذ ذلك الحين تعثرت محاولات تطبيق الاتفاق مما أصاب الفلسطينيين بخيبة أمل اذ يريدون تحقيق الوحدة الفلسطينية. وقال علي محمد (46 عاما) وهو فني هواتف واب لأربعة ابناء «كما يقولون ليس بالخبز وحده يحيا الانسان. الأمل أهم ولكننا نجد انفسنا فاقدين الثقة بالمستقبل بسبب الانقسام المستمر بين صفوف قيادتنا.» وأضاف «بسبب عدم الرغبة لدى قادتنا للتوحد فإن حلمنا الكبير في اقامة دولة أصبح معلقا وأصبح جلّ همّنا وأملنا هو تسهيلات على المعابر.»