السائلة (أم دعاء - المدينة) قالت: أسأل عن كلمتي (العَصْلَجة، واللّحْلَحَة)، وهما من الألفاظ الشائعة لدينا في الحجاز: يقال الشيء تَعَصْلَج، ويا فلانُ تَلَحْلَحْ؟ الفتوى 6 : في اللّغة العربية ألفاظ يدلّ لفظها على معناها، وهذه الدلالة يدركها العربيّ بذوقه؛ لأن نظائرها بحروفها المشبهة تضع له ميزانًا يقيس به الأصوات، وإيقاعها ثم معناها، ومن ذلك هاتان اللّفظتان، لا سيما (عَصْلَج) التي عدّها المجمعيّون في القاهرة من المحدثات، وهي الألفاظ التي لم تنقل عن العرب في عصر الاستشهاد ومن بعدهم إلى العصر الحديث. ويظهر لي أنّ الألفاظ المحدثة نوعان، أحدهما: ما لا أصل له في مادته بترتيب حروفها، فهذا محلّ بحث ونظر وتفصيل، لا يكفي هذا الحيز لذكره وبيانه. والثاني: ما لم يستعمل في الإطلاق الحديث، ولكن مادته استعملت في معنى آخر بنسق حروفه على وزن آخر، ومن هذا (العَصَلَّج)، وهو: الرجل المعوجّ الساق، كما في (تاج العروس). فانظر -الآن- إلى استعمال المحدثين للعَصْلَجة بمعناها الذي هو التعسّر، وستجد روعة الاشتقاق في هذا الإطلاق، ولا تحتاج إلى ذكر الجامع بينهما، إذا لوحظ أن مُعوجَّ الساق متعسِّر المشية. وكثيرًا ما تكون هذه الألفاظ (عَصْلَج) ونحوها من الأفعال الملحقة بالفعل الرّباعي مازجة بين فعلين مزجًا يشبه النّحت، كما قيل في (بَعثَر)، أصلها: بَعثَ وعَثَر. و(عثر) من العثير، وهو الغبار. وكذلك هنا يمكن أن يقال: أصل (عَصْلَج) عصى ولَجَّ. ومن اللغويين من يقول: لا يكاد يجتمع الصاد والجيم في كلمة واحدة في لغة العرب. وأمّا (اللّحْلَحَة) فالمعاجم تقول فيها: خبزة لَحْلَحة، أي: يابسة. ومكان لَحْلَح، أي: ضيّق. ويقال: رجلٌ مُلَحْلَح، أي: سيّد. وهذا هو مربط الفرس الذي نمسك به، ونقول: استعمال الحجازيّين اليوم (التّلحْلُح، واللّحْلحة) فعلاً ومصدرًا استعمالٌ منطلقٌ من هذا المعنى، فإنها تستعمل في مقام الإيقاظ، وتحريك الهمّة، والتنبيه إلى معالي الأمور، وتلك هي السيادة، أيُّها السّادة. [email protected]