على الحلم كان ينام ويصحو ورغم ظروف الحياة فإنه كان متشبثًا بالأمل، عمل بالقطاع العسكري بداية عنفوانه وقوته وشبابه، وها هو اليوم يلامس حدود الستين عامًا إلا قليلًا لينهي عما قريب مشوار حياته العملي في وزارة الصحة إداريًا بجسم حديدي يتحدى الشباب في الوفاء بواجباته العملية، ويملك من الأخلاق ما يفقده الكثير سواه.. كان يسكن الخوبة يوم أن كانت تنبض بالحياة وفي بيت مستأجر كان يعيش مع زوجتيه وأولاده وفي ذات الوقت كان على مقربة من الانتقال لبيته الذي كان يسارع الخطى ويسابق الزمن للانتهاء من تشييده للخلاص من الإيجار.. لم تكن الحياة لتضحك له بل أجبرته ليخرج من قريته ولينتهي أمل العودة لبيته الذي لم يهنأ به أبدا إذ يقع داخل الحرم الحدودي لينتهي أمل العودة ويصحو على حقيقة اللا عودة.. إنه العم أبو علي الذي نزح مع النازحين استأجر في البدء فكان الإيجار مبالغا فيه .. فكر ثم قدر ثم اشترى أرضا بقرية السهلية غربي الوحلة وعلى مرمى حجر غربي قريته الجديدة يقع البحر وهو الذي كان يسكن الجبل.. ثم بنى بيتا متواضعا من غرفتين صاحب عملية البناء اقتصاد في مصروفه على عائلته.. يقول: قبل عام توجهت للبلدية طلبا لعداد كهربائي فاشترطوا علي صكا للأرض وأنا ومعظم أبناء المنطقة لا نملك إلا حجج الاستحكام هي تراث أجدادنا.. أو ليس للتراث قيمة؟!! برروا موقفهم بالنظام فقلت والحديث للعم أبو علي : لا ضير. ثم عاد أدراجه ومد له كيابل كهربائية مع أقرب جار له وكانت المسافة قرابة ال300متر!! عندما رأى الناس من حوله قد فازوا بعدادات الكهرباء اعتراه الفرح فذهب للبلدية من جديد فجاءته الصاعقة لا عداد إلا بصك!! يسأل العم أبو علي عن الفرق بينه وبين الآخرين ولماذا النظام لا يكتسب القوة إلا معه في حين يلين حتى يذوب ويسيح مع غيره.. يقول بحرقة إنه يعول 18نفسًا أحرقتهم شمس الصيف الحارقة ورطوبة البحر المهلكة. وأنهم يتلوون من الحر شواء فالكيابل التي مدوها من منزل أحد فاعلي الخير لا تصل لبيتهم إلا ضعيفة ولا تعمل مكيفاتهم الاثنين إلا ليلا وبئس العمل.. إنه نداء للمسؤولين أينما كانوا.. العم أبو علي الذي هُجِر من منزله لا يستحق منا ذلك الظلم الذي ناله.. إن النظم البشرية متى ما تجاوزت المعاني الإنسانية وسحقت كرامة الإنسان وجب كسرها وتمييعها.. العم أبو علي يريد عداد كهرباء يا مسؤولين.. محسن موسى طوهري - جازان