السائلة (م. ع): لماذا أنّثت العربُ الشمسَ، وذكّرت القمرَ؟ وذكّرت القلبَ، وأنّثت الرأسَ؟ الفتوى «5»: هذا السؤال ونحوه من الأسئلة النافعة، التي أحبّ أن تكون أسئلة السائلين من مشكاتها، لأنها تضيء جانبًا من جوانب اللّغة، وتكشف بعض مكنونها، وتخلع على الباحث من أسرارها سابغاتٍ من فقه اللّغة، والسؤال عن الشمس والقمر مرّ بناظري في بعض كتب المتقدمين، أظنّه كتاب (الهوامل والشوامل) لأبي حيّان التوحيدي، والمسؤول هو مِسْكَويْه، والذي بقي في ذهني من جوابه: أنّ الشمس كانت معبودة، ومن أسمائها لديهم «أُلاهة»، والجواب غير مقنع؛ لأنّ عبادتها بعد تسميتها بالشمس، وأتلمس لتعليل ذلك جوابًا آخر، وهو: أنّ اسم (قمر) على وزن «فَعَل»، وعلى هذا غالب الأسماء المذكورة، أسماء الذوات، وأسماء المعاني، كجَبَل، وحَمَل، وقَلَم، وصَفَر، ووَلَد، وخَبَر، ويظهر لي من عادة العرب إطلاقُ مثل هذه الأسماء بهذا الوزن على ما يقبل الكِبَر والزيادة، تارة يطلقونه على آخر مراحله ك «قمر»، وتارة على إحدى مراحله ك (وَلَد، وحَمَل)، وكذلك أسماء المعاني، ك «خَبَر، ونَبَأ، ومَلَك»؛ إذ هو آخر درجات النّورانية. وأمّا الشمس فعلى وزن (فَعْل)، فتطلق موزوناته على المذكر والمؤنث، فمن المؤنث (نَفْس، وشَمْس)، والنفس واحدة، والشمس واحدة، ثم إنّ الشمس آية النهار، ولا تظهر في الليل، وذلك من شأن الأنثى، والقمرُ آية الليل، والرّجلُ ليليٌّ. وقد يقال: إنّ من عادة العرب تأنيث ما كثرت منافعه، وتفرّد، كالأرض، والنّار، والشمس، والسماء. وأمّا القلب فهو ملك الأعضاء، والملوك رجال، و(ما أفلح قومٌ ولّوا أمرهم امرأة)، ولا أتذكر الآن اسمًا ثلاثيًّا ساكن الوسط، ثالثه باء إلاّ وهو مذكر، إلاّ ما كان أصله المصدر ك(الحَرْب)، وأمّا (الرأس) فمذكرٌ. [email protected]