هناك فرق كبير وأساسي بين الاختلاف في الأفكار والاختلاف في مناهج الفكر . الاختلاف في الأفكار وارد دائما ، بل إن من غير الوارد ألا يحدث مثل هذا الاختلاف . لكن الاختلاف حول مناهج الفكر يؤدي في الغالب إلى القطيعة المعرفية بين المختلفين الاختلاف في مناهج الفكر يعني انتفاء وجود أرضية مشتركة أومرجعية موحدة بين الأطراف المختلفة . وانتفاء وجود المرجعية الموحدة او المشتركة بين المختلفين ، كفيل بتحويل مبدأ الاختلاف من سبب لإثراء الفكر إلى سبب إلى التحزب الفكري الذي يؤدي إلى القطيعة المعرفية بين أطراف الاختلاف . على سبيل المثال فإن من المستحيل على المؤمنين بالمنهج العلمي أن يجروا حوارا مع المؤمنين بالمنهج الغيبي في أي أمر أو قضية معرفية . المؤمنون بالمنهج العلمي يحتكمون إلى قوانين العلم القائمة على التجريد وعدم تبني الأفكار المسبقة أو الإجابات الجاهزة حول الظواهر والأمور موضوع النظر . إنهم ينطلقون في نشاطهم المعرفي من علامات الاستفهام ، ويعملون بوحي من الإقرار بالجهل حول القضية التي يبحثونها علهم ينجحون في اكتشاف القوانين العلمية التي تحكم حركة كل ما في الكون بما في ذلك الإنسان نفسه . بالنسبة للمنهج الغيبي فإنه لا يعبأ بعلامات الاستفهام ، لأنه يمتلك إجابة جاهزة عن كل سؤال .. والمشكلة أن هذه الإجابات تدخل بطبيعتها ضمن دائرة المقدس نفسه .. وعلى هذا الأساس فإن مناقشة هذه الإجابات أو الأفكار او التشكيك فيها ، يعتبر عند كثير من المؤمنين بالمنهج الغيبي ، مظهرا من مظاهر الكفر الصريح . هذا النوع من الخلافات الفكرية لا يمكن حله ، في ظل غياب أو انعدام وجود المرجعية الموحدة التي يمكن أن تحتكم إليها الأطراف المختلفة . وعلى هذا الأساس فإن فرص نجاح محاولات التوفيق بين المختلفين في هذه الحالة ، تبدو معدومة او شبه معدومة . في هذه الحالات الخلافات تحسم بانتصار فريق على الفريق الآخر ، وهو ما تؤكده وقائع التاريخ سواء في أوروبا حيث انتصر المنهج العلمي على المنهج الغيبي الذي كانت تمثله الكنيسة التقليدية ، أو في العالم العربي والإسلامي حيث هُزم تيار العقل الذي كان يمثله الفيلسوف ابن رشد على يد تيار النقل . إنها معركة أكثر من كونها خلافا فكريا طبيعيا . [email protected]