• لم نفاجأ بقرار المجلس الدولي للمعالم والمواقع الأثرية (الأيكموس) بإبعاد ملف جدة من أجندة مؤتمر لجنة التراث العالمي جرّاء ما تعرضت له من إهمال لمنطقتها الأثرية، وما أصابها خلال الأمطار الكثيفة التي هطلت على المدينة خلال العامين المنصرمين، ورغم جهود هيئة السياحة كما جاء في رد سمو رئيسها وحرصها على إعادة جدولة طرح هذا الملف بعد الانتهاء من تلافي القصور الواضح في منطقة جدة التاريخية وحتى لو كان أمر إبعاد ملف جدة من قبل هيئة السياحة لإعادة ترتيب الأوراق ومتابعة علاج القصور وليس من قبل (الأيكموس) فإن ثمة اعتراف بأنه قد أصاب جدة التاريخية الكثير من الإهمال بل إن مندوب المملكة الدائم في اليونسكو د. الدريس قد أكد في استعراضه لأسباب الرفض بأنها عوامل فنية نتيجة تعرض مواقع في جدة إلى حالة من الإهمال إذ كانت عرضة للاستخدام من قبل من لا يدرك قيمتها، كما أكد بأن إعادة رعاية جدة التاريخية وجدة القديمة تحتاج إلى مزيد من الجهد إضافة إلى تصحيح ثقافة عدم الالتفات إلى الموقع الأثرية.. فمن المسؤول عن هذا التردي والإهمال الذي أصاب المواقع الأثرية في هذه المدينة العريقة العتيقة التي كانت عروساً متألقة على شاطئ البحر الأحمر أليس من الواجب محاسبته؟! ولماذا سمحنا لوفد (الأيكموس) بزيارة المنطقة التاريخية في 14 فبراير الماضي في وقت لم نستكمل فيه إصلاح الإهمال هناك؟.. • لقد كتبنا نحن أبناء جدة مراراً وتكراراً وكتب غيرنا من أبناء الوطن الغيورين على ما آلت إليه وليس ثمة جدوى.. في الوقت الذي مر على أمانتها ورعاية شؤونها العديد من الأمناء.. وقد أعطت كل من نزح إليها وأقام وتاجر واشترى وباع فيها ولم تبخل على أحد حتى أصبح المتاجرون فيها والنازحون إليها من مختلف مدن المملكة من الأثرياء.. ولم يكن نصيب هذه المدينة من طفرة العقار وجشع بعض ملاّكه إلا ارتفاع الأسعار الخيالي الذي حرم أكثر أبنائها والقاطنين فيها من امتلاك أرض أو سكن في منطقة مأهولة.. وان المؤشرات لتنذر باستشراء أولئك البعض من الملاك المتاجرون في العقار وتضييقهم الخناق على الناس..!! • وعود على بدء فإن جدة منذ عهد الأمين السابق المهندس محمد سعيد فارسي وهي تمضى زحفاً نحو الشمال والشمال الغربي على حساب إهمال المنطقة التاريخية، ولعلني أذكر ما دار في حوار سابق في منزل الوجيه عبدالمقصود خوجة القديم في الروضة زمن تعيين المهندس الفارسي كان يلتقي فيه مع نخبة من أبناء جدة والمثقفين فيها ليستأنس برأيهم حول تطلعاتهم في مخطط جدة.. وقد فاجأهم بغير ما اعتاد الناس عليه مع البلديات فكشف عن خطته بالاتجاه شمالاً وبناء جدةالجديدة وترك المنطقة القديمة إلى حين.. ومنذ ذلك الحين ومع تعاقب الأمناء أصبح التركيز على جدةالجديدة وغض الطرف عن جدة القديمة ومنطقتها الأثرية التاريخية ولقد كتبت لغير مرة عن ما آلت إليه بيوتها القديمة وأزقتها الضيقة التي سكنها بعض الوافدين ولم يحسنوا التعامل مع تراثها ولكن دون جدوى أيضاً.. حتى جاء مشروع الأمين السابق عادل فقيه بتوجيه سمو أمير المنطقة والذي حدثنا عنه في منزله ألا وهو الاستثمار في جدة التاريخية وإعادة بنائها.. غير أن الأمر قد طال وتعاقب الإهمال في المنطقة التاريخية وفي كل يوم نسمع عن انهيار بيت قديم أو حريق في منطقة أثرية حتى فاجأتنا (المدينة) الجريدة بصورة ل(عين يسر الأثرية) الكائنة في حي العلوي قرب بيت نصيف وقد ساءني ما رأيت في الصورة من إهمال فيها إذ تحولت إلى مرمى للنفايات.. رغم أنني زرتها مع صديق الطفولة والحارة المهندس سامي نوار مدير عام السياحة والآثار في الأمانة قبل سنوات وعلمت عن عزم الأمانة ترميمها والحفاظ عليها.. إن كل المؤشرات تؤكد استمرار الإهمال في منطقة جدة التاريخية مما يُعزِّز ذريعة رفض ملفها من قبل (الأيكموس) ولابد من التعجيل في مشروعها الاستثماري وإنقاذ آثارها، غير أنني أخشى ما أخشاه أن يُعنى ذلك المشروع بالمال وبالاستثمار على حساب القيمة والآثار، فنورد جدة القديمة موارد الإهمال ولا نلوم بعد ذلك أحداً إلاّ أنفسنا وتقصيرنا المتواصل في حق هذه المدينة. • وكتبت كذلك عن الكورنيش واختفاء البحر بعد أن ضاقت المساحات المخصصة لذوي الدخل المحدود من الناس الذين لا حظ لهم إلا الجلوس على الشاطئ والاستمتاع بما تبقى من البحر ثم فوجئت بإغلاق منطقة في الكورنيش هذه الأيام بسور يحجب ما تبقى من البحر بحجة مشروع لذوي الدخل المحدود.. وإذا كان الأمر كذلك فإننا نتطلع إلى توضيح من معالي الأمين الدكتور هاني أبو راس الذي اعتدنا شفافيته واهتمامه بما يكتب في الإعلام، فالناس قد ضاقوا ذرعاً بما يخنق البحر، وكفى جدة الشاهقات من البنايات التي حجبت نسمة الهواء، وحتى لو كان المشروع الذي تتكلم عنه الأمانة في خدمة العامة من الناس، وليس لمزيد من الاستثمار في منتجات باهظة الإيجار أو مطاعم ومقاهي سياحية مرتفعة الأسعار لا يرتادها إلا القادرون.. أقول حتى لو كان الأمر كذلك فإن التوقيت غير مناسب للبدء في ذلك المشروع مع بداية الإجازة واستمتاع الناس بالبحر والكورنيش. • وعود على بدء - مرة أخرى- لمن نشتكي اليوم سحب ملف جدة التاريخية من قائمة التراث العالمي، ومن الذي سوف يتولى الدفاع عن ذلك مع كافة الجهات المتسببة في الإهمال لإصلاحه وإعادة الملف، هل هي وزارة السياحة أم الأمانة أم غيرها؟ إنها تساؤلات وطموحات وآلام توجع أبناء جدة والغيورين عليها. دوحة الشعر: كانت عروساً وكل الناس تخطبها وعاث في ثوبها التقصير والحفر [email protected]