المعارك (كرٌّ وفرّ).. كرّ، إذا ما ملكت القوة الكافية ضد خصمك، وامتلكت سلاحًا يفوق ما لديه من سلاح، و(فرّ) متى ما أدركت أن خصمك أقوى منك، وتحليت بالشجاعة وانسحبت (تكتيكيًا) لكي لا تُعرض وطنك وأبناءك للخطر، ولإعداد نفسك ل (كرّ) آخر تكون خلاله قد أعدت حساباتك، ويعيد لك ما سُلب منك، ويحقق لك النصر. تلك نظرية، أو لنقل، خلاصة من دروس الحروب التي مرّ بها العالم، ألقاها على مسامعي سمو الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز أمير المنطقة الشرقية في آخر لقاء لي بسموه في مكتبه حينما تشرفت بتسليمه نسخة من كتابي: (الملك فهد.. رجل في قرار وقرار في رجل).. ولقد شرح لي سموه كيف أنّ الملك فهد -بالكاد- أقنع سمو الشيخ جابر الأحمد أمير دولة الكويت الراحل بمغادرة الكويت عقب احتلالها من قبل (صدام حسين)، وذلك بغية إضفاء الشرعية عند المطالبة باسترجاعها وتحريرها، وقد لعب سمو الأمير محمد بن فهد دور السفير في التوصل إلى هذا الحل المقنع في أصعب الظروف وأخطرها وأدقها، غير آبه بالمخاطر التي قد يتعرض لها لا سمح الله. مناسبة هذا المقال هو قراءتي لمقال الأستاذ «سمير عطا الله» بعنوان: (رجل الاستقلال ورجل التحرير) فقد فسّر لنا الأستاذ «سمير عطا الله» بأن الشيخ «عبدالله السالم» هو رجل الاستقلال والدستور والرفعة، وأن «الشيخ جابر الأحمد» أمير البناء الحديث والثقافة والترفع.. وفيما لم يأتِ الأستاذ على ذِكر «رجل التحرير» فإنّ الأحداث قد برهنت يومها أن رجل التحرير هو الملك «فهد بن عبدالعزيز» الذي يعود الفضل إليه في تحرير الشقيقة الكويت من المغتصب «صدام حسين».. واستدل بذلك على تصريح صحافي سابق لأمير دولة الكويت الحالي سمو الشيخ (صباح الأحمد الجابر) قال فيه: «إنّ دولة الكويت أميرًا وحكومةً وشعبًا لا يمكن أن تنسى الدّور المُشرّف الذي قام به الملك فهد في إدانة الغزو العراقي الغاشم لوطننا ورفضه وشجبه، وما ساهم به من إعداد سياسي وعسكري لتحرير الكويت». وأُتبعه بتصريح آخر لسمو الشيخ أحمد فهد الأحمد -وزير الإعلام السابق- نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية الحالي الذي قال فيه: «إنّ حكمة (الملك فهد) وثباته وشجاعته كان لها أكبر الأثر في تحرير دولة الكويت من براثن الغدر والاحتلال، وقد كان شعاره أن العدوان على الكويت لا يمكن أن يمرّ ويجب أن تعود الكويت إلى أهلها سلمًا أو حربا». وما يجري من حولنا هو سقوط لبعض الزعامات في تطبيق هذه النظرية، فالرغبة في البقاء على رأس السلطة والاستهانة بالقوى المناهضة كان من نتائجها تدمير بلدانهم، وقتل شعوبهم، ومن هنا أدركت بُعد النظر في مسألة (الكرّ والفرّ) التي تحدث عنها سمو الأمير محمد بن فهد، ف (الفرّ) لا يعني الهزيمة الدائمة بقدر ما يعني ترتيب الصفوف والبحث عن الحلول، والتسلح بالشرعية، ولو ظل الشيخ (جابر) صامدًا أمام القوة الغازية التي دخلت بلاده على حين غرّة وفضّل (الكرّ) على (الفرّ) لزالت الشرعية بزوال (الرمز). [email protected]