تتمتع النماص بمقومات سياحية لا تقل حضاريًّا عن أي مكان تراثي آخر، بما يجعل منها لوحة أثرية فريدة من شأنها أن تكون رافدًا للوطن إذا تم استغلالها بشكل جيد، ولعل هذا ما يعكف عليه مكتب الهيئة العامة للسياحة والآثار بمحافظة النماص بالتعاون مع بلدية المحافظة عبر مشروع يستهدف تأهيل قرى النماص التراثية في وسط المدينة، والذي حددت مدة الانتهاء منه بعد 360 يومًا، وتشتمل على إزالة المخلفات، وتنظيف الممرات الداخلية والخارجية، وتسوية الأرض، وتحديد مناسيب ميول الأرض بحيث تكون كافية لتصريف مياه الأمطار، إضافة إلى أعمال التكسية الحجرية للممرات والساحات بحيث تتناسب مع المشاة والمعاقين، مع تركيب حواجز حجرية لمواقف السيارات، ويتضمن المشروع كذلك زراعة نباتات وشجيرات متنوعة في سبيل إيجاد بعد جمالي للمنطقة، مضاف إليها التهيئة الديكورية والجدارية والأرضية التراثية، وتوريد وتركيب اللوحات الإرشادية للقرية التراثية للاستدلال على جميع مواقع القرية التراثية وما تحويه. تأهيل شامل وحول هذا المشروع الكبير يقول المشرف على تطوير القرى التراثية بمحافظة النماص المهندس عبدالرحمن الأسمري: بلغت تكلفة المشروع من جهة البلدية ما يقارب 1700000ريال سعودي، والمشروع على مرحلتين يكون دور البلدية فيه تهيئة الممرات والساحات وتجهيز الموقع العام، أما ترميم المواقع فهذا منوط بالهيئة العامة للسياحة والآثار، ومقدار تعاملها مع الملاك الأساسيين لهذه المنازل، ونحن كبلدية لسنا الجهة المخولّة بنزع ملكية مثل هذه الأماكن؛ إنما يتوقف دورنا في تهيئة المكان فقط، أما ما يتعلق بعملية نزع الملكية فيتوقف بالدرجة الأولى على تعامل الهيئة مع الملاك، فدورنا يتوقف فقط في نزع الملكيات على إنشاء الطرق أو إيجاد منفعة عامة للمنطقة تعود بالنفع على المواطنين، أما الملكيات فيتوقف دورها على الهيئة العامة للسياحة والآثار من خلال قنواتها وبرامجها المتعددة والكثيرة. ويضيف الأسمري: إن الهيئة تهدف إلى استثمار الموقع من خلال تأهليه إلى فنادق للسكنى أو تحويله إلى مطاعم وكافيهات ومحال تجارية كلها على طراز قديم، حتى إنني وعلى حسب علمي أنهم فضّلوا ألا يتخذوا سياسة نزع الملكية بل اتجهوا إلى طريقة أخر ى وهي جعل المواطن مالك البيت التراثي داخل الموقع شريكًا، حيث تقل التكلفة ويتم تأهيل المكان واستفادته من ذلك الريع، بينما تسعى البلدية إلى تحويل أصحاب الحرف والمصنوعات التراثية القديمة والمتناثرة محالهم التجارية في كل ناحية من أنحاء المدينة إلى حرفيين داخل الساحة. ويمضي الأسمري في حديثه مضيفًا: خلال بحثنا في المواقع التراثية وجدنا مشروعًا تأهيلًا آخر في قرية آل عليان العمرية شمالي النماص، وهي قرية ذات مساحة صغيرة بلغت تكلفة الرصف والإنارة فيها 300 ألف ريال، وهو المبلغ المتبقي من المليونين التي وضعت لتأهيل القرى صرف منها 1700000، وأما الباقي فهو يصرف على تأهيل قرية آل عليان التراثية، وقد فتحنا ملفًا كاملًا لتأهيل القرى الأثرية، ومنها الميفا بالظهارة والجهوة بالنماص وغيرها؛ ولكننا ننتظر الدعم لكي نستطيع التوسع في تأهيل هذه القرى بعيدًا عن ميزانية الهيئة العامة للسياحة والآثار، والتي لا أعلم كم من المال خصصته لتأهيل مثل هذه القرى؛ ولكن تضافر ميزانيتي البلدية والهيئة، إضافة إلى التسهيلات المقدمة للمواطنين من شأنه أن ينهض بمثل هذه القرى حتى وإن كانت البلدية لا تزال مقصّرة بعض الشيء في هذا الجانب، ولكن المستقبل سيحمل الكثير من التعاون بين مزيد من البلديات ومكاتب الهيئة، أما عن شروط الرصف والإنارة فلقد حرصنا على أن يكون الرصف والتركيب من حجارة المنطقة، ويكون قص الحجارة بشكل متساوٍ لا أن يكون متعرجًا أثناء المشي، وبرغم أن مساحة الممرات والساحات تبلغ 9000 متر مربع إلا أن مساحة القرية أكبر من ذلك بكثير. تأخر مبرر ويختم الأسمرى حديثه بالقول: كما أشرت سابقًا فإن مدة المشروع 360 يومًا بدأت في مطلع شهر جمادى الأولى عام 1430 والمفترض أن ينتهي في نفس الشهر للسنة التي تعقبه؛ ولكننا صودفنا بمشكلات أعاقت تسليم المشروع في موعده المحدد له وتتمثل في انعدام البنى التحتية للمشروع إذ كانت البلدية تخشى العمل ثم تتفاجأ بعد ذلك بالتكسير من قبل مشروعات أخرى كأعمال الكهرباء والصرف الصحي؛ لذلك اضطررنا إلى مخاطبة الهيئة العامة للسياحة والآثار وأمانة منطقة عسير لإيقاف المشروع - من 6 إلى 8 أشهر - حتى لا تحتسب المدة عليه حتى تستأنف شركة الكهرباء أعمالها داخل منطقة التأهيل، وكم كنا نتمنى لو تقوم الشركة بتمديدات أرضية؛ إلا أن ذلك الاقتراح رفض جملة وتفصيلًا لتقوم شركة الكهرباء بعد ذلك بإيصال الكهرباء عن طريق أعمدة خشبية، ثم تم تغييرها من أعمدة خشبية إلى أعمدة حديد، وكان ذلك الإجراء مسيئًا لمنظر الموقع وأكثر خطورة من سابقه، لذلك كنا نتمنى أن تكون التمديدات أرضية حتى لا تسيء في أضعف الحالات، كما تم الانتهاء من مشروعات الصرف الصحي، وسننتهي بعد أربعة أشهر من الآن برغم أن المقاول لا يزال متوقفًا بسبب عدم انتهاء مشروعات الكهرباء والصرف من كل مناطق تأهيل القرى التراثية - حتى وإن أنجز منها أكثر من 90 % - وحتى لا يلتبس الأمر على الناس لا بد من التنويه إلى أن المشروع أتى على مرحلتين؛ مرحلة تجهيز الموقع العام وهو الجزء المناط بالبلدية، أما المرحلة الثانية فتناط بالهيئة العامة للسياحة والآثار. خطط متأنية ومدروسة ويشير مدير مكتب الآثار بمحافظة النماص محمد عبدالله العسبلي إلى أن الهيئة العامة للسياحة والآثار لها توجه كبير في تهيئة القرى التراثية وتأهيلها وتطويرها واستثمارها من قبل المستثمرين؛ إلا أنها تبني تنفيذ مشروعاتها على خطط متأنية ومدروسة. والمنطقة تزخر بوجود الكثير من القرى النموذجية والتي تحمل طابعًا معماريًّا فريدًا، والتي من الممكن أن تهيّأ لتستثمر في المستقبل القريب، وقد بدأت الهيئة أول مشروعاتها بمحافظة النماص في الحي القديم قصر ثربان وهو أحد القصور التراثية في هذا الحي، وقد بدأت الهيئة في مشروع شراكة بينها وبين بلدية محافظة النماص وذلك من خلال المشروع الجاري تنفيذه من قبل البلدية ويتمثل في رصف وإنارة الحي القديم، بالإضافة إلى أن هناك توجهًا كبيرًا من الملاك في ترميم مبانيهم واستثمارها سياحيًّا، وقد أجريت بعض الدراسات المبدئية لتأهيل عدد من القصور لتكون نزلًا تراثية بالإضافة إلى تهيئة الساحات لعمل مطاعم ومقاهٍ شعبية ومركز للحرفيين، بالإضافة إلى مكتبة تراثية وساحة شعبية لإقامة الاحتفالات، وهناك تنسيق من قبل الهيئة العامة للسياحة والآثار مع بنك التسليف لإقراض الملاك بهدف ترميم المواقع والقرى التراثية. ومعلوم أن مساحة الحي القديم تبلغ تقريبًا 30 ألف متر مربع، والهيئة بصدد ترميم إنقاذي لقصر ثربان في الفترة المقبلة. ويختم السعبلي بقوله: فيما يخص المتاحف الخاصة هناك 9 متاحف خاصة بمحافظة النماص تشرف عليها الهيئة العامة للسياحة والآثار، وقد تم إصدار تراخيص لهذه المتاحف، وسوف يفعل دور هذه المتاحف خلال صيف هذا العام بالتنسيق مع الملاك في عمل برامج سياحية وزيارات لهذه المتاحف. مشروع تأهيل قرية آل عليان يشار إلى أن مشروع تأهيل القرى التراثية هو مشروع توسعي فقد تم استهداف قرية آل عليان في بني عمرو ليكون إحدى تلك المشروعات التوسعية والذي -وكما ذكر آنفا - بلغت تكلفته التقريبية 300 ألف ريال، وفيها يشير أحد الملاك القائمين على القرية وأحد النشطاء المهتمين بالتراث صالح محمد القناص آل عليان العمري بالقول: هذه القرية لها ثلاثة أبواب تغلق ليلًا ويستمر ذلك من غروب الشمس حتى الفجر، وقد حافظ الأهالي على هذه القرية والتي يقع إلى الشمال منها قلعة كبيرة إلا أن بعض أجزائها بحاجة إلى صيانة وترميم، والذي ينبغي ذكره أنه يوجد داخل القرية - بالإضافة إلى قلعة ومسجد أثريين - متحفًا به الكثير من المقتنيات التراثية القديمة ويتوجب المحافظة عليها، كما يوجد به بعض الوثائق وقصاصات الصحف يعود تاريخ بعضها لأكثر من 200 سنة.. هذا المتحف جمع به ما يزيد على ال 500 قطعة تراثية وأثرية، أما عن القلعة فتقع على سفح جبل الطيق وقد نسبت هذه القلعة إلى مؤسسها عليان بن عمارة بن كعب بن حجر الأزدي، حتى إنه يرجح أن يتجاوز عمرها ال1500 سنة أو أكثر دلّ على ذلك ما ذكره بعض المؤرخين إلى وجود بعض المقابر التي تدل على بنائها قبل الإسلام، كما أن البنائين يتوارثون المعلومات ويشيرون إلى أنهم لا يعرفون أحدًا ممن كان يسكن هذه القلعة بالرغم من محافظة الأجيال وتعاقبهم على المحافظة على هذه القرية، وهي قلعة متكاملة بها أكثر من 90 غرفة كانت تستخدم لسكنهم ولمواشيهم وبها المسجد القديم الذي لا يعرف أحد تاريخ تأسيسه والحصن الذي يتكون من 5 طوابق والمعد لأغراض أمنية تحمي تلك القلعة في العصور الماضية، وتوجد به غرف معدة لخزن الحبوب والمحاصيل الزراعية يعتلي هذا الحصن غرفة مستقلة تسمى “المسهرة”، وهي غرفة الحارس الذي يقوم بحراسة القرية ليلًا بالتناوب بين سكان القرية. متحف قرية آل عليان يتألف مبنى متحف قرية آل عليان من ثلاثة أدوار تحتوي الكثير من المقتنيات التراثية والأثرية منها أدوات الاستصلاح الزراعي بكل أنواعها والأسلحة القديمة، بجانب المكتبة التي توجد بها بعض الكتب تتحدث عن المنطقة والقرية وعن المتحف، إضافة إلى بعض قصاصات الورق، كما يحتوي المتحف على عدد من الحلي التي كانت تتزين بها المرأة سابقًا، ومن القطع التي يحتويها الدور الأول بالمتحف: الدلو (لجلب الماء من البئر)، والحصيرة والحبال والغمامة والمينب (لتوزيع المزرعة إلى قطع صغيرة يسهل سقيها)، والغرب (للماء)، والمحالة أو العجلة وحيد الدويس والمقرنة (لحرث الأرض بواسطة الثور)، وشبكة الجمل والرحى (لطحن الحبوب)، والميمة (لخبط أو ضرب المحصول الزراعي حتى يخرج القشر من الثمرة)، والدشة (وهي أشبة بالقبعة للوقاية من أشعة الشمس). فيما يتكون الدور الثاني من الصحاف (والمعدّة لإقراء الضيوف)، وقدور النحاس (للطبخ)، والمسرحة (لدهن الشعر وتسريحه)، والجحل (لإعداد المعصوبة من القمح وهي إحدى المأكولات الشعبية القديمة والتي ما زالت تقدّم في المناسبات الكبرى إلى الآن)، كذلك يحوي المتحف على الكوز والجرة والمركب والمثلوثة (وحدة قياس ليكل ثلث المد أو الصاع)، وكذلك المهراس (لطحن البن والهيل)، والجونة (لحفظ الأشياء الثمينة)، والمحماس والدلة والمقدح أو المغرفة (ومصنوعة من الخشب وتستخدم للمرق واللبن وغيره)، والمحقن والركوة والصلل (من النار وهو موقد التدفئة والطبخ)، والقربة والمنصد (وهي المفرشة لتقسيم اللحم). ويحتوي الدور الثالث على المجلس والمكتبة وغرفة الأسلحة الحربية القديمة وغرفة حلي المرأة، وتتضمن مقتنيات الدور الثالث إجمالًا على: بندقية بو فتيل وحربة مذهبة وزهاب بارود وزند (لإشعال النار بالاحتكاك مع حجر المرو أو ما يسمى بالصوان)، وجنبية الشبيل وبندقية مقمع ومصب رصاص من الحديد وجنبية من النوع النافعي وغترة جاوي قديم وثوب المذولق القديم ومحزمة أو صف وسيف خليجي وسيف أثري (كتبت عليه تاريخ صناعته 1267ه) ورصاص معشر وهطفا وبندقية معشر وجنبية اشبيل وجبنية بياض وخنجر ورمح قديم، إضافة إلى ما تحويه غرفة النساء من منديل وقبا (من صوف الشياة وهو ملحف العروس)، وحلقة أذن فضة وقرضة فضة والبتوت وعصابة الرأس والورقة وبت من الخرز وبت مرجان وحزام فضة ومفرد وشيلة وبعض الفوانيس.