الشعر عملية فسيولوجية كيميائية يحتاج إلى جانب الموهبة استعدادات ذهنية وعقلية عديدة.. فالذكاء استعداد يحتاجه الشعر.. والذكاء يظهر لا محالة وعكسه الغباء كذلك، وقد كان “أبو نوّاس” شاعرًا ذكيًا -على سبيل المثال- فظهر الذكاء بتوهج في شعره بشكل لا يخفى.. ولكن ما الحل إذا كان الشاعر غبيًا لا يعرف الذكاء طريقًا إلى عقله ولا إلى شعره، فيمعن هو في الغباء زيادة حين يظن أن “قوة الأداء” تغني عن ضعف الشاعرية، وعن كم الغباء الكبير وعن القصور في مجال التصوير الشعري، وتوظيف “المجاز” لذا تأتي قصائده خطبًا رنّانة جوفاء يظهر فيها صوته وهو “يتفيهق” ويتشدّق ويشدّد على آخر الحروف في كل كلمة، موهمًا الأغبياء أمثاله أن شعره مبتكر مع أنه مرذول مكرور لا طعم له ولا رائحة ولا لون..!! وقد كان الاتكاء على “الأداء” إحدى الوسائل الغبية البائسة التي يلجأ إليها الشعراء الأغبياء أمثال صاحبنا في محاولة لتحلية الشعر وإعطائه حالة شعرية وهمية..!! أما الوضع الأردأ و الأسوأ من حالة الشاعر الغبي، الذي يعوّل على الأداء الرنّان فهو حالة “المتشاعر الخبل” والخبالة نوع من رداءة العقل وضعفه وهشاشته، و”الخبالة أعيت من يداويها”؛ فالشاعر الخبل لا يجد لشعره قبولًا ولا ترددًا، وهو عاجز عن إبراز شاعرية ناهيك عن “الخبالة” في اختيار “عناوين شعره” المتهالكة، و“المتشاعر الخبل” لم يشعر ولم يدرك أن عدم تلق شعره المتهافت على كافة المستويات هو إشعار له بواقعه وحجمه ومستواه البائس.. وسواء أدرك أو لم يدرك فالناس.. تعرف.. والرائع من الشعر يفرض نفسه.. وشبه الشعر الوهمي تعرفه الناس لأول وهلة.. وقد كان ذلك.. ليقال بعدها للاثنين: “الشاعر الغبي.. والمتشاعر الخبل”: “انتهى الدرس يا غبي.. أدرك نفسك يا خبل”.