رغم معرفتي التامة بحقيقة التوجّه السياحي الداخلي الذي تمارسه «الهيئة العامة للسياحة والآثار» وما أكده صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة في أكثر من مناسبة والذي نجح بامتياز في بناء قاعدة جيدة للسياحة السعودية الوطنية التي نفتخر ونفاخر بها، ورغم كل تلك النجاحات وتلك النقلة النوعية في الشكل والمضمون وحتى المحتوى وتأسيس البنية التحتية لقاعدة السياحة الوطنية.. إلا أن أمير السياحة وفي آخر حوار تليفزيوني قال: نحن في الهيئة عملنا ليل نهار وسنعمل ليل نهار ولازلنا في بداية المشوار وعملنا سيكون منصبا في الدرجة الأولى على الجذب السياحي الداخلي من خلال بناء الشكل والنموذج الخاص بنا وبثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا التي نحبها ونحترمها ونفاخر بها. وأنا هنا في هذا المقال أسعى إلى مناقشة الفكر بما يدور من حولنا عالمياً، فقد اطلعت - بحكم مهنتي الصحفية وامتهان صناعة النقل الجوي وصحافتها في ثقافة السياحة والطيران - اطلعت على تقرير منظم وشامل لمؤسسة «ديلويت» كان موضوعه عن قطاع الضيافة 2015م بعنوان «مغيّرون أو مجرد متفرجين»، والمقصود به قطاع السياحة في الشرق الأوسط ومدى الاستعداد للاستفادة من النظام العالمي الجديد في قطاعي السفر والسياحة العالميين، وقد ركز التقرير إلى وجود نحو (150) مليون مسافر جديد من الصين والهند ستكون لهما الكلمة الأولى في إحداث تغيير في قطاعي السفر والسياحة على الصعيد العالمي.. كذلك يشير التقرير إلى الثراء الثقافي الذي يعيشه التراث العربي والإسلامي وما يحدثه ذلك في التركيبة السكانية، كما يشير التقرير –أيضاً- إلى الاستثمار المتواصل في تأمين البنية التحتية للسياحة في دول مجلس التعاون الخليجي وبالذات المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر ذلك البناء المتواصل الذي سيجعل للمنطقة العربية خلال الفترة الزمنية التي حددها التقرير لتكون الوجهة المفضلة عالمياً للسفر والسياحة. وقد ركز التقرير على تحديد سرّ نجاح الشرق الأوسط ليكون «اللاعب المغيّر» لتمسكه بما يسمى العوامل السبعة وتعامله معها التي تحدد النجاح حتى العام 2015م وما بعده. كما أوضح التقرير -بشيء من التركيز- الهدف من جعل الصين والهند أحد المفاتيح الأساسية لسوق الضيافة، حيث يتمتع هذان البلدان بحلول عام 2015م بنمو سياحي مبهر على أساس مرحلي يتعدى النمو المسجل في كل من المملكة المتحدة وفرنسا واليابان، حيث سيوفر هذا النمو المطرد لسوق السياحة الخارجية من خلال شبكة الرحلات الجوية في الشرق الأوسط فرصاً استثنائية للنمو. وقد أكد الخبير السياحي والشريك العالمي عن قطاع السياحة والضيافة والترفيه في «ديلويت» أن نشوء الطبقات الوسطى في الأسواق الناشئة سيعزز الطلب إلى حد كبير على سوق الضيافة في مجالي الترفيه والأعمال، أما القدرات المستقبلية الأهم في هذه الأسواق فستكمن في تطوير سوق الطبقة المتوسطة والمنتجات المصنفة الأوفر التي تستهدف المسافرين المحليين، بالإضافة إلى الترويج لمنطقة الشرق الأوسط كوجهة ثقافية، ولاشك أن شركات الضيافة في كافة أنحاء العالم تدرك دوافع هذه التركيبات السكانية الناشئة وحاجتها المتعددة التي سيتم من خلالها جني الثمار لتتحول أطرافاً رائدة في ميدان السياحة خلال فترة زمنية قصيرة. وأيضاً أوضح التقرير أن عام 2015م ستكون له ميزة رائدة متمثلة في وجود محركين ديموغرافيين رئيسيين للتغيير في هذا القطاع، سيؤديان حتماً إلى ظهور أنماط سفر جديدة تزيد الطلب على الرحلات في الغرب، إضافة إلى أسواق مصدرة جديدة في الشرق هما تقدم جيل طفرة الإنجاب، ونشوء الطبقات المتوسطة في الصين والهند، ويتوقع أن يشكل جيل طفرة الإنجاب في الولاياتالمتحدة 60% من ثروات البلاد و40% من إنفاقها، وأيضاً هناك رأي آخر حول جيل طفرة الإنجاب الأمريكية بأنه سيكون القائد لدفة النمو في قطاع الضيافة والترفيه، ويكمن سرّ استقطاب هذا الجيل في سلوك «الشباب المتجدد الدائم» ورغبته في الرحلات الحافلة بالاختيارات، وسيكون الاستثمار الواسع النطاق على صعيد البنية التحتية في الشرق الأوسط في السياحة القائمة على الاختيارات، ولم يكتف السرد الواقعي للتقرير بذلك التحديد «النوعي» للأجيال، بل أشار إلى الطبقات الوسطى الصينية والهندية التي ستكون لها كلمتها من خلال إطلاق موجات من التغيير في المستقبل مع تطوير أنماط سفرها من الوجهات المحلية إلى الوجهات الإقليمية والدولية، وهناك تقديرات تشير إلى أن عدد السياح الوافدين من الهند وحدها مع حلول 2020م حوالى (50) مليون سائح. وبين تلك المتغيّرات القادمة لم يغفل التقرير التوضيح المسهب ل «نمو الإعلام الاجتماعي» خلال الخمسة أعوام الأخيرة وبأنه يشكل نمواً مذهلاً وسيستمر هذا القطاع في النمو حتى يحقق النجاح لكامل المنظومة التي تمثلها حركة النمو الشامل لكافة حلقات دولاب التحرك العالمي في مجال الضيافة اسماً وعملاً.. فهل نحن نتّجه نفس الاتجاه بما تحمله معطياتنا من ثقافة وخصوصية..؟!