الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد: فمن المعلوم أهمية العناية بالناشئة وتعليمهم، وصقل شخصياتهم، واكتشاف قدراتهم ومواهبهم، وحسن استثمارها، وتوظيفها فيما يحقق الفائدة لهم، ومن فضل الله أن ديننا الحنيف مشتمل على جميع جوانب التربية النافعة في الدارين، وكما أن للوالدين حقوقاً على أولادهم فكذلك للأولاد حقوقاً على والديهم، وسنعرض بإيجاز لأهم الحقوق التربوية والتعليمية للأبناء؛ حيث أوجب الإسلام على الوالدين أن تسود الأسرة التربية الدينية الصحيحة التي تغرس في نفوس الأولاد العقيدة السليمة الراسخة، وتربيتهم على الإيمان الصحيح، كما أوصى لقمان الحكيم ابنه في قوله تعالى: "وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ" فهذه النصيحة تقرر قضية التوحيد، وهي أهم قضية في حياة المسلم، ثم يتابع لقمان وصيته لابنه بإقام الصلاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على ما يستتبعه هذا وذاك من مواجهة المتاعب التي لا بد أن تعترض الإنسان في حياته قال تعالى حكاية عن لقمان "يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ"، فالتربية الإيمانية تحمل الأولاد على التزام طاعة الله وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وتدعوهم إلى مراقبة الله وحده وخشيته في السر والعلن، وتهذب النفوس وتكبح جماحها، وتنشر بينهم احترام الحقوق والواجبات وحب الخير. وقد بلغ التشريع الإسلامي الغاية القصوى في الدعوة إلى أن تسود مكارم الأخلاق أعضاء الأسرة كواجب ديني لا يجوز التهاون في أدائه. ومما يجب على الوالدين تجاه أولادهما: - تغذيتهم بالطعام الحلال الصحي، قال تعالى (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) وقال تعالى: (وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف) وقال صلى الله عليه وسلم :(أطب مطعمك تجب دعوتك). - الإسهام في حل المشكلات النفسية لأفراد الأسرة. - تعليم الأولاد الواجبات والفروض الدينية، قال صلى الله عليه وسلم: (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع). - توجيههم لحفظ كتاب الله، وما يمكن من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والتفقه فيهما، لقوله صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه). وقوله صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين). - توجيههم للعلم النافع والترقي في مراحل التعليم المختلفة، مع الحرص على ارتفاع مستوى التحصيل العلمي؛ ليتحقق فيهم قوله تعالى: "يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ" - نشر التربية الأخلاقية ودعائمها الفاضلة المتمثلة في الصدق والوفاء والمروءة، وحسن الخلق، والاحترام والتضحية والكرم والشجاعة. - تعويدهم على التواصل الاجتماعي؛ كصلة الأرحام والتواصل مع الأقارب والجيران، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أراد أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أجله فليصل رحمه). - تحقيق توجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم بالتعاون والتماسك والتراحم والتكافل وإقامة الأسرة المؤمنة. - إشاعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين الأبناء؛ وذلك بالطرق المشروعة، لقوله تعالى: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ". - تقديم القدوة والنموذج الأخلاقي من قبل الآباء للأبناء. - توجيه الأبناء إلى احترام قيم المجتمع الإسلامي. - تنمية قيم الاحترام والولاء من جانب الأبناء للآباء والدعاء لهما والترحم عليهما بعد وفاتهما، وذلك استجابة لتوجيهات القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم. - توجيههم لاتباع القدوة الحسنة ،ومن ذلك مصاحبة الأخيار والابتعاد عن الأشرار أخذاً بقوله صلى الله عليه وسلم: (مثل الجليس الصالح والجليس السوء كبائع المسك ونافخ الكير ...) الحديث؛ ومن قرناء السوء دعاة التطرف والغلو والتكفير والإرهاب، ومتعاطي المخدرات والخمور والدخان ونحوها من الموبقات، ومن ذلك أيضاً دعاة الخلاعة والمجون والتحلل من القيم والأخلاق. - توجيههم لعلو الهمة والترقي في مدارج المعالي؛ ومن الوسائل المعينة على ذلك قراءة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وسير العظماء كالصحابة والتابعين والأئمة والعلماء والقادة والمفكرين الإسلاميين. - ترسيخ حب الوطن ، وولاة أمورهم؛ وذلك ببيان فضائلهم، وما أوجبه الشرع لهم من السمع والطاعة. قال تعالى: "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَْمْرِ مِنْكُمْ". - تعليم الأولاد العادات الصحية السليمة، وتقوية أجسامهم بالرياضة النافعة، على ألا تكون على حساب ضياع الوقت؛ ومن ذلك الرماية والسباحة وركوب الخيل امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم: (علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل). - تعويدهم إذا بلغوا السن المناسبة وبالتدرج على المهام العملية والكدح والخشونة؛ ليتحملوا المشاق في مراحل حياتهم المقبلة، قال الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه (اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم). - تعويدهم على قيمة الوقت والمحافظة عليه، واستثماره فيما ينفعهم، وعدم إضاعته فيما لا ينفع، وليس من ذلك الترويح البريء المعتدل، لما يعود به من نفع كبير. قال صلى الله عليه وسلم: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، وذكر منها (عن شبابه فيما أبلاه وعن عمره فيما أفناه). أسأل الله لشباب الأمة الإسلامية عامة ولشباب هذه البلاد خاصة التوفيق لكل خير والسلامة من كل شر. •عضو مجلس الشورى الأمين العام للمجمع الفقهي الإسلامي