نعلم جيدًا أن المتاحف تلعب دورًا كبيرًا في رفع نسبة الثقافة البصرية لدى المجتمعات، ناهيك عن دور المتحف في حفظ التاريخ والتراث، فهو إشعاع ثقافي ومعلم من معالم الثقافة في كل الأوطان، لذا نجد أن العديد من الدول المتقدمة تحرص على تشييد المتاحف وكأنها جزء لا يتجزأ من منظومة التنمية والازدهار لأوطانهم، وهو إضافة اقتصادية ترفع من مستوى السياحة الوطنية، وليكن متحف الفن الإسلامي بالدوحة ومتحف اللوفر في باريس ومتحف الفنون ومتحف الشمع في المملكة المتحدة مثالًا يُحتذى بهم، والمتابع جيدًا لمسيرة المتاحف في العالم، يعلم جيدًا مدى استفادة الدول من هذه المتاحف، ودورها الثقافي لبناء شخصية الفرد والمجتمع. وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية يختلف العطاء الاجتماعي للفنون، فمعظم المتاحف هي تبرعات من أشخاص مقتدرين ماديًا، يؤمنون بأهمية دور المتاحف في بناء شخصية الفرد في المجتمع، ويبذلون جل عطائهم لخدمة الثقافة البصرية، إهداء لزوار الولاية، خدمة للمجتمع، وأخص بالذكر متاحف ولاية واشنطن، حيث يوجد بها أكثر من خمسة وستين متحفًا في واشنطن العاصمة فقط، وهذه المتاحف العريقة التي تعتبر معلمًا مهمًا في الولاية، ومرجعًا للباحثين والمهتمين، واستطاعت أن تحفظ تاريخًا عريقًا في شتى ميادين الحياة. يأتي العديد منها تحت مظلة مؤسسة (سمينسونيان)، ويبلغ عددها تسعة عشر متحفًا في منطقة المتاحف وسط العاصمة، وهي كلها تبرع من رجل أعمال واحد، وطلب من الحكومة أن تكون المنطقة باسمه وأن يكون الدخول للمتاحف مجانًا، وتضم هذه المتاحف جميع أنواع الفنون والمعرفة والتاريخ، مثل متحف الفن الحديث والطاقة والتاريخ الطبيعي والفضاء والطيران و. و. و... حين دخولي لأحد المتاحف في واشنطن توقفت مكاني حينما وجدت لوحات إلى فان جوخ وسيزان ومونيه، وبيكاسو.. و.. وحين زيارتي لولاية أتلانتا كان من حسن حظي أن متحف أتلانتا يستضيف متحف اللوفر، فكانت سعادتي لا توصف. وعلى الرغم من أن الدخول مجانًا إلى هذه المتاحف، إلا أن الزوار يدعمون صندوق المتاحف، لأنهم يدركون أهمية الدعم، وبدون أن يُطلب منهم تقديم الدعم، تجد صناديق دعم المتاحف مليئة بالمال للنهوض بمسيرة العطاء، وتشجيع الأبناء على ثقافة العطاء، هذه الثقافة التي نتطلع لها، ونأمل أن نكرسها في نفوس أطفالنا. لقد بلغ عدد الزوار لهذه المتاحف وحدها في العام 2009م أكثر من ثلاثين مليون زائر، ويتم تمويل متاحف الولاياتالمتحدة من قبل الحكومة، لكنها تتلقى أموالًا من مساهمات القطاع الخاص، والأرباح من تجارة التجزئة، والمجلات المتخصصة التي بدورها تدعم نمو ازدهار المتاحف في الولاياتالمتحدة. ومثل هذه المؤسسة الكثير في الولاياتالمتحدة ترعى الفنون والثقافة من خلال المتاحف المتفرقة في أرجاء الولايات، منها على سبيل المثال مجموعة (فيليبس)، ومعرض (كوركوران) وهي ذات التمويل الخاص لدعم الثقافة البصرية. فأين نحن من هذا الدعم، ألا يوجد لدينا رجال أثرياء، ألا يوجد رجال مخلصون في هذا الوطن العزيز، ألا يوجد مهتمون بالفنون والتاريخ والطاقة والبيئة...؟ بالتأكيد يوجد... بس أين هم؟