إجادة أكثر من لغة نعمة أصبحت من الضروريات في هذا العصر، وكما ورد في الأثر: «من تعلم لغة قوم أمن مكرهم»، فرحت كثيرًا بقرار اعتماد تدريس اللغة الإنجليزية في التعليم العام من الصف الرابع، حيث إن هذا مطلب تنموي كان يجب إدراجه في خطط التنمية من البداية. وقد كلفنا التلكؤ في هذا الشأن الشيء الكثير لأن عدم إجادة اللغة السائدة في هذا العصر أصبح عائقًا لأبنائنا وبناتنا من التأهيل الصحيح ودخول سوق العمل بما يتطلبه من مهارات تعوض عن الاعتماد على العمالة الوافدة في بعض التخصصات. وحتى ينجح القرار علينا أن نهيئ المدارس والمدرسين والمدرسات لذلك بشكل جيد، لأن المرحلة الابتدائية هي أهم المراحل التربوية في حياة الأطفال، والدول المتقدمة تركز بصفة خاصة على اختيار مدرسي المرحلة الابتدائية، ومراحل الحضانة بشكل جيد لأن فيها، ومن خلالها، تتشكل شخصية الطفل، بالإضافة إلى ما يتلقاه من أبويه في المنزل. والذين قدر لهم معايشة نوعية التعليم في الخارج يستطيعون المقارنة من واقع اطلاعهم على الفوارق الشاسعة بين طرق ووسائل التعليم ونوعية المدرسين ومستوى تأهيلهم واستعداداتهم الذهنية والنفسية للتعايش مع الأطفال في جو من المحبة والمرح والحزم لاحتواء الطفل وتعليمه وفق مفاهيم تربوية لا قسوة فيها ولا تهاون. وهم يعتبرون تعليم المرحلة الابتدائية تحديًا ومتعة يقدمون عليها برضا، وبتأهيل خاص، ولا يعتبرونه مجرد وظيفة من أجل الراتب والهروب من البطالة. ووزارة التربية والتعليم بطاقمها الحالي ينبغي أن تواصل جهودها في سبيل نقلة نوعية في التعليم العام من خلال التركيز على الفصول الأولى من المرحلة الابتدائية واعتماد اللغة الإنجليزية من الفصل الرابع يمنحها فرصة ثمينة لتغيير جو تلك الصفوف من نموذج التلقين إلى النموذج التفاعلي باستخدام الوسائل التعليمية الحديثة، والحرص على أن تعليم اللغة الإنجليزية لا يتم على حساب اللغة العربية وغيرها من المواد. والأطفال في تلك المراحل الأولى عندما تحسن إدارتهم مستعدون لتقبل المعلومات وتوظيفها في حياتهم بصفة عامة. كما أن مجرد أخذ قرار في هذا المجال لا يكفي لوحده فلا بد من توفير كل ما يلزم لإنجاح العملية التعليمية المكونة عناصرها من طالب، ومدرس، ومدرسة. إن دور تعود الطلاب على القراءة لكتب منتقاة خارج المنهج -القراءات الحرة- من أنجح الوسائل للتثقيف وتقويم النطق واكتساب المفردات، وفهم معانيها. ومن النماذج الناجحة تلك المتبعة في دول الاتحاد الأوروبي حيث تجد الطالب والطالبة يتعلمان من أربع إلى خمس لغات، يجيدونها قراءة وكتابة وتحدثًا بطلاقة، ورغم ذلك نجد الفرنسي يصر على الفرنسية، والألماني على الألمانية، كلغة أساسية، يستخدمها في العمل وفي حياته الخاصة، ولكنه يجيد التعامل باللغة الإنجليزية بكفاءة عالية وبدون تردد. وإذا أقدمنا على البرنامج الجديد بطرق علمية واستعددنا له كما يجب فسنرى النتائج بعد عشر سنوات، ومن ثم نحكم على مدى النجاح بإذن الله تعالى. والحذر الشديد الذي يجب أن نتوخاه ألا يتم إدخال اللغة الأجنبية من الفصل الرابع على حساب اللغة العربية وإتقانها كما ينبغي. إنني أؤكد على هذه النقطة بالذات بسبب ما لمسته في بعض المدارس الخاصة التي تركز على اللغة الأجنبية في المقام الأول، وتعلم اللغة العربية من باب رفع العتب، وإرضاء مراقبي الوزارة خلال زيارتهم الخاطفة لتلك المدارس. وأختم بالقول: إن نجاح العملية التعليمية يعتمد بشكل أساسي على جعل البيت شريكًا رئيسيًا وهذا ليس مستحيلًا عندما تجعله الوزارة شرطًا أساسيًا لقبول الطالب في المدرسة، ما لم يكن هناك أسباب غير عادية تحول دون ذلك.. والله من وراء القصد. [email protected]