توقفنا في الحلقة السابقة عند ذكر فضائل مسجد قباء وأن الصلاة فيه تعدل أجر عمرة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان دائم التردد عليه، ونواصل في تعداد مزايا المدينةالمنورة. يا من أحب المدينة: لقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة بالبركة ومضاعفة الأجر، كما دعا على من أراد لأهل المدينة بسوء فعن سعد بن مالك وأبي هريرة رضي الله عنهما في حديث طويل - يقولان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “... من أرادها بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء”. رواه أحمد بإسناد صحيح، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي. وعن السائب بن خلاد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من أخاف أهل المدينة ظلمًا أخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفًا ولا عدلًا”. رواه الإمام أحمد وابن أبي شيبة في مصنفه بإسناد صحيح. هكذا يحمي رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل المدينة لعظم منزلتها ومنزلة من سكن المدينة؛ لأنهم جيران النبي صلى الله عليه وسلم. لكن ماذا على سكان المدينة بعد هذا التكريم؟ - من أكرمه الله وسكن المدينةالمنورة أو زارها، عليه حمد الله كثيرًا أن هيأ له هذا المكان المبارك ويتعهد المسجد النبوي والصلاة جماعة فيه ليكسب الأجر الذي وضحه رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما يزور قباء كما يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقيع المدينةالمنورة ويسلم على من به حيث آلاف الصحابة والصحابيات رضي الله عنهم أجمعين ومن تبعهم من موتى المسلمين ودفنوا به خلال التاريخ الإسلامي وزيارة سيد الشهداء والسلام عليه وعلى بقية الشهداء حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله. - أن يربّى الأولاد (بنين وبنات) على أن المدينةالمنورة تعتبر جزءًا من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم المكانية فيتعرفون على جبالها وأوديتها وآبارها مثل وادي العقيق، وادي بطحان، وادي مهزور، وادي قناه، وادي إضم إلخ والآبار مثل آبار النبي صلى الله عليه وسلم: بئر بضاعة، بئر حاء، بئر العهن، بئر أريس (بئر الخاتم)، بئر غرس، بئر السقيا، بئر عثمان رضي الله عنه، ومواقع غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم والوقوف عليها مثل غزوة أحد وغزوة الأحزاب أو الخندق وغزوة الغابة وغزوة بني قينقاع وغزوة بني النضير وغزوة بني قريظة وكلها وقعت داخل المدينةالمنورة لا تحتاج إلى سفر أو جهد، ليطلع الأبناء والبنات على مدى ما بذله الرسول صلى الله عليه وسلم من جهد في نشر الإسلام. - أهمية المحافظة على ما تحوي المدينة من مساجد أثرية وآطام وآبار حيث دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمحافظة عليها لأنها زينة المدينة ويتعلمون مواقعها وارتباطها بسيرته صلى الله عليه وسلم. - التركيز على تطبيق حرمة المدينةالمنورة ومدى ما يلحق من لا يحافظ على حرمتها من إثم فقد قال صلى الله عليه وسلم (اللهم إني أحرم ما بين لابيتها بمثل ما حرم إبراهيم مكة...) الحديث متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا: (إني أحرم ما بين لابتي المدينة: أن يقطع عضاهها أو يقتل صيدها) رواه مسلم. وقوله صلى الله عليه وسلم (وإني أحرم المدينة حرم آمن بين لابتيها وحماها كله، لا يُختلى خلاها، ولا ينفر صيدها....) رواه أحمد وأصل الحديث في الصحيحين.. وتحريم المدينة ضمن الحدود التي حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عظيم يجب التنبيه على تطبيقه فعن أنس رضي الله عنه قال: لا يُختلى خلاها، فمن فعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين). وقد ورد اللابتان في حدود المدينةالمنورة واللابة الحرة حيث تحيط بالمدينةالمنورة من جميع جهاتها - عدا الشمال- مجموعة من الحرار فمن الغرب حرة الوبرة (الحرة الغربية) ومن الجنوب الغربي حرة بني بياضة ومن الجنوب حرة شوران ومن الجنوب الشرقي حرة بني قريظة ومن الشرق حرة واقم (الحرة الشرقية)، كما أن من يدبر أمرًا يضر بالمسلمين بالمدينةالمنورة أو مكةالمكرمة أو غيرها فإن ذلك يدخل ضمن التحريم. - من الخيرات المكتسبة في المدينةالمنورة السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه رضي الله عنهما وصفة السلام متعددة مع مراعاة الآداب الواجب اتباعها أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم يتم السلام عليه، فقد روي عن عبدالله بن دينار أنه قال: “رأيت عبدالله بن عمر يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر وعمر وروي عن نافع قال: كان ابن عمر يسلم على القبر رأيته مائة مرة وأكثر، يجيء إلى القبر فيقول: “السلام على النبي صلى الله عليه وسلم، السلام على أبي بكر، السلام على أبي ثم ينصرف. (كتاب الشفاء للقاضي عياض)، هذا ما كان يفعله عبدالله بن عمر رضي الله عنهما وهناك ألفاظ أخرى للسلام عليه صلى الله عليه وسلم مثل: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، الصلوة والسلام عليك يا سيد المرسلين وخاتم النبيين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين، السلام عليك يا من وصفه الله بقوله (وإنك لعلى خلق عظيم) (بالمؤمنين رؤوف رحيم) السلام عليك وعلى سائر الأنبياء والمرسلين وعلى أهل بيتك الطيبين الطاهرين، السلام عليك وعلى أزواجك الطاهرات وعلى أصحابك أجمعين وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله واشهد أنك يا رسول الله قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة ودعوت إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وعبدت ربك حتى أتاك اليقين، فصلى الله عليك كثيرًا أفضل وأطيب وأكمل ما صلى على أحد من الخلق أجمعين، اللهمّ أجز عنّا نبينا أفضل ما جزيت أحدًا من النبيين والمرسلين، اللهم آتِه الوسيلة والفضيلة وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته، اللهم صلِّ على سيِّدنا محمد وعلى آل سيِّدنا محمد، كما صليت على سيِّدنا إبراهيم وعلى آل سيِّدنا إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد، ربَّنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين. ثم السلام على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. - تكرار الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيغ مختلفة من أي مكان، سواء بالمدينةالمنورة أو غيرها. ما سبق جزء من تاريخ طيبة وكل بقعة في المدينةالمنورة لها تاريخ مشرق، إنها محط أنظار العالم بأكمله؛ لأنها مقر صاحب الرسالة الخاتمة العظمى صلى الله عليه وآله وسلم، إنها مدينة تتضوّع بعبير المجد وتشرقُ بأضواء الخلود، إنها منزل الروح الأمين، ومثوى الأنصار والمهاجرين الأبرار، إنها مركز الخلفاء الراشدين، هي منطلق الجيوش الإسلامية التي انتشرت شرقا وغربًا وفي جميع الاتجاهات لتنشر النور المبين، الذي أتى به سيد المرسلين وخاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم وتاريخها ذكريات وعبر وعظات، إن تاريخها يزداد ألقًا، لأنها جزء من تاريخ الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، ومن عجبٍ أني أحنُّ إليهم وأسأل عنهم من لقيتُ وهم معي وتطلبهم عيني وهم في سوادها ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي وأتركك أيها القارئ الكريم تتمثل هاتيك الديار وتجول بسوارح فكرك في جنباتها، فكم مرت بها من ذكريات، وكم من محب لها غلبته رقة القلب، وحرارة الشوق، وأسبل الدمع حبًا للمصطفى صلى الله عليه وسلم.