لم يكن يدور في خلد الفنانة التشكيلية إيمان بنت أحمد الحارثي أن تحملها “بومة” أبدعتها في لوحة حملت عنوان “التناقض” إلى الفوز بالمركز الأول في مسابقة المؤتمر العلمي الثاني لطلاب التعليم العالي الذي عقد مؤخّرًا في مدينة جدة لوحة عالجت بها رمزية هذه “البومة” في الثقافتين الشرقيةوالغربية حول هذا العمل وفكرته تقول إيمان: جاءت بداية اشتغالي بهذا العمل من خلال رؤيتي الخاصة للبومة، فهي جميلة في عيني؛ لكن نظرة الآخرين لها أثارت فضولي معرفتي بمعنى البومة واختلاف معنى ذلك الطير ونظرة الثقافتين المتناقضة من خلال معناها بين الثقافة الشرقية القديمة والثقافة الغربية؛ فالبومة في ثقافة العالم الشرقي نذير شؤم، فهي تقيم على الأشجار الكبيرة العالية وفي الأماكن الخربة، وربما لم يشاهدها الكثيرون، وتصدر صياحًا حزينًا قد يخيف الناس في الليالي المظلمة، ولذلك اعتبرها الناس فألًا سيئًا ونذير شؤم يجلب الحظ السيئ، أما البومة في الثقافة الغربية فهي ترمز إلى العلم والحكمة، حيث تمجّد الأساطير اليونانية البومة وتحيط من حولها هالة من الحكمة، ولهذا أسميت لوحتي “تناقض” لاختلاف الثقافتين وتناقضهما في معنى (البومة) ومن خلال هذه اللوحة فإني لا أرجح وجهة نظر الغرب في رؤيتهم تلك ولا أهين ثقافة الشرق القديمة أيضًا، أردت فقط القول بيان الاختلاف بين الثقافتين، واضعة في الاعتبار أن الإسلام يدعو للتفاؤل، فالنبي صلّى الله عليه وسلّم قال: “لا عدوى ولا طيرة ولا هامة”. وتمضي إيمان في حديثها مضيفة: إنني أهدي فوزي هذا إلى الأب الحاني الملك الإنسان عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه اللّه ورعاه - ولمكة المكرمة التي أرجو أن أكون الابنة البارة التي تساهم في رفع اسمها على مستوى الوطن، بل وعلى مستوى العالم. هذه المشاركة في المؤتمر لم تكن الأولى بالنسبة لإيمان فقد شاركت في المؤتمر العلمي الأول الذي عقد في العاصمة الرياض العام الماضي بلوحة تحت عنوان “تكوين”، حصلت بها على المركز الثالث، مؤكدة أنها استفادت من تلك التجربة في المؤتمر الثاني، وأن حصولها على المركز الثالث قد حفزها للمنافسة مرة أخرى على مستوى جامعات المملكة العربية السعودية؛ فقد كان غرضها من الدخول في هذه المنافسة اكتساب الخبرة والاستفادة من تقييم الفنانين لتجربتها، مشيرة إلى أن شقيقتها فاطمة هي من شجعتها على المشاركة في المؤتمر العلمي، كما ورشحها أستاذها الدكتور عبدالعزيز الحجيلي والدكتورة عبير الصاعدي على ذلك. الخطوات الأولى وتعود إيمان بذاكرتها إلى خطواتها الأولى مع عالم التشكيل راسمة بدايتها بقولها: أمسكت بريشتي في المرحلة الابتدائية، ولا أنسى عندما طلبت معلمتي أن نرسم خيمة فقامت الطالبات في الفصل برسمها بالمسطرة لتصبح متساوية بينما قمت برسمها بخطوط ضعيفة منحنية جعلت زميلاتي ينظرن إليها بدهشة لأنها ليست مثلثة متساوية فجاءت المعلمة مبتسمة قائلةً أحسنتِ إنها جميلة أكملي، ومنذ ذلك الوقت بدأت أشعر أنني قمت بشيء ميزني عن صديقاتي مما جعل تلك المعلمة تقف وتنظر إليَّ حتى أنهيت تلك الرسمة ومنذ تلك اللحظة بدأت مسيرتي مع التشكيل؛ حيث أنجزت عددًا من اللوحات، وما زلت احتفظ برسوماتي الأولى، لأنها بداياتي وقد نقدت سلبًا وإيجابًا فيها؛ مما جعلني أعرف أخطائي وأكمل مسيرتي، ومنها لوحة “الخيل” على ورق كانسون بأقلام الفحم في المرحلة المتوسطة، ولوحة من الطبيعة الصامتة عنوانها “الدلة” على ورق كانسون بالحبر الشيني وكنت وقتها في المرحلة الثانوية. وتواصل إيمان حديثها قائلة: لقد اخترت الفن التشكيلي لأني مؤمنة برسالته السامية المباشرة، ويعتبر قصة حية تحكي ما يجول بالخاطر والروح من أفكار وأسرار تجعلني أدخل في فضاء كبير واسع أضيع في اختيار كوكب ما من فنونه أنضم إليه فأصبح من سكانه، وقد أضعت من عمري سنة كاملة لأحقق حلمي وألتحق بهذا القسم الحلم، وكانت أولى صفحاته مشاركتى بهذا المؤتمر، وقد كان للمدرسة دور في صقل موهبتي، فلأستاذتي عبير كعكي وميرفت حريري وثريا مؤذن بصمة قوية واضحة في توجيهي من خلال نصحهن وإرشادهن. أسرة فنانة كما كان لأسرتي دور أيضًا، فوالدتي حفظها الله تهوى النسيج وتقضي وقت فراغها في عمل منسوجات وتجدد في ذلك الإرث القديم فهي تملك ذلك الذوق الأصيل. ووالدي حفظه الله يشغل وقت فراغه بأعمال وأشغال يدوية مرتبطة بالفن التشكيلي ليأتي بعد ذلك أبنائهما وبناتهما فأختي مها لها صولاتها وجولاتها في البحث الأدبي فهي تدرس الشعر دراسة فنية فهي أول باحثة عربية تدرس شعر حرب الأيام، وأختي جواهر مدرسة الاقتصاد المنزلي لها تجربتها في الأشغال اليدوية والتصاميم التي تميزت فيها، وأختي فايقة ذات الآراء المنسكبة بقصد تطوير الذات، وأخي الإعلامي عبدالله الذي يبتسم كلما رآني أعمل ويقول ممازحًا طالبًا أن أعلمه الرسم، وأختي فاطمة التي تشرح المقاصد النفسية من وراء الأعمال، وأخي صالح المرح الذي يقول بأنه يستطيع العمل أفضل مني وأستنير برأيه فهو ناقدي الأول وهو من يجلب المواد مع والدي، أما أخي محمد الشاعر والفنان فهو يعطيني أفكارًا في بعض الأحيان يزيد من شكي أنه رسام بارع، وبالتأكيد ذلك كله من فضل الله عليَّ أن أنعم عليَّ بوالدين وإخوة وأخوات لهم الفضل الكبير في التوجيه والمساندة والدعم المادي والمعنوي فهم من بعد الله السبب فيما وصلت إليه فقد أنجزت حتى الآن ما يقارب خمسة عشر لوحة منوعة ما بين رسم تشكيلي وتصوير تشكيلي ومعدن ولوحات أخرى وأعمالي الفنية المجسمة تقارب العشرة، وأشير هنا إلى أنني لم أقم ببيع نتائجي الفني بالرغم من إلحاح المعجبين بلوحاتي لأن هذه الخطوة مؤجلة الآن. ميزة الغموض وحول المدارس الفنية التي طرقتها إيمان، وردها على الغموض الذي يكتنف أعمال بعض الفنانين وعدم قدر المتلقي على فهمها، تضيف قائلة: أعتقد أن لكل مدرسة فنية محبوها، وبالنسبة لي فحتى الآن لم أحدد بعد أدواتي المحببة هل هي فرشاة أم أزميل أم شيء آخر من عالمنا الفني الواسع، فكلها محببة لي، فأنا لا أسقي ظمأ إحساسي إلا من خلالها كلها، فأنتمي إليها، لكن أجدني أقرب إلى المدرسة الواقعية في الوقت الراهن لأنها بداية انطلاقي وتحليقي، ورغم أنني أنجزت عددًا من اللوحات إلا أن فكرة تقديم معرض شخصي ليست في خاطري حاليًا لانشغالي بالدراسة، ولكن أتمنى أدعو الله أن يوفقني وأحقق ذلك، وقد أعوض ذلك الأمر بالمشاركة في معارض جماعية لأكتسب خبرة. وأما بخصوص الغموض وعدم فهم المتلقي لبعض الأعمال؛ فإني أرى أن هذا الأمر غير صحيح؛ ففهم اللوحة يختلف باختلاف درجة ثقافة المتلقي والرسام يرسم ليفهم الناس، وإن بدا أن في الرسم أحيانًا بعض الغموض فهو أمر غير متعمد من قبل الفنان، فربما تكون مشاعر الرسام مضطربة وغير واضحة مما يجعل للمتلقي حرية التفسير والتحليل، وأرى أن هذه ميزة لإثراء العمل، فهي تزيد من قيمته.