لو أجريت دراسة إحصائية دقيقة في العالم العربي عن عدد المستشارين الذين لا يستشارون فلربما تذهل بالنتائج التي قد تختلف من دولة إلى أخرى، على أن هناك من المستشارين ممن تقتضي مهنهم تقديم الاستشارة بالفعل كالمستشار الطبي والمستشار القانوني وغيرهما، وهؤلاء غير مشمولين بالدراسة. وفي بلادنا ليس كل المستشارين لا يستشارون، ومنهم على سبيل المثال من يحمل مسمى وظيفي المستشار المشرف على مكتب الوزير وكذلك المستشار الفني والمستشار الثقافي أو التعليمي مما تستلزم مهامهم ممارسة الأعمال الموكلة إليهم بحكم النظام وإن اختلفت التسمية كالملحق الثقافي وغيره، عدا بعض الحالات التي أوردناها أو ما يماثلها فإن المستشار وظيفة تعطى إما لتكريم بعض الأفراد ممن تفانوا في خدمة وطنهم وأراد صاحب الصلاحية أن يختم عملهم بهذا المسمى وهو لا يرجو منه استشارة، أو قد يستشار من وقت لآخر وفي فترات متقطعة. في بعض الأجهزة الحكومية قد يستغنى عن خدمات بعض الأفراد وقد يوعز لهم بطلب المتقاعد فيتعذر عليهم الفهم وقد يطول، فينتهي الأمر بتعيينه مستشارا عندها يكون الخيار متاحاً له بالبقاء أو الرحيل. وإن كان الأوفق له إنهاء خدماته بنفسه، خاصة إذا كان من غير المرغوب فيهم بمحيط عمله. ولاشك أن الحديث عن المستشار ومعايير اختياره هي من الموضوعات الجديرة بالتمعن فيها إلا أن الحديث في هذا الأمر قد يطول ويكفينا أن نقر بمبدأ هام جداً وهو الصدق في الاستشارة وتوخيها من أصحاب الخبرة والعمل بها في كثير من مناحي الحياة، ولا خاب من استشار ولكن خاب كل من يقبل الاستشارة مع وقف التنفيذ، ولعل ما يؤلم أن تنتقل هذه العدوى إلى القطاع الخاص وحتى إلى المؤسسات الصحفية والتي يفترض أن تكون المرآة الصادقة للمصداقية والشفافية. وكما هو معلوم بأن الاستشارة لا تطلب إلا من أهل الحل والعقد والتجارب والخبرات، ممن يستحقون الاعتماد على آرائهم والاستفادة من توجيهاتهم واستشاراتهم، والمؤمل هو أن يتم تعزيز هذا الدور المغيب. فاكس: 026980564 - [email protected]