هل للحياة معنى وهدف، وهل هو سابق وحتمي وأصلي، حسب التفكير التقليدي، فإن معنى الحياة جاء قبل الإنسان، وتم رسم وتحديد الاهداف للإنسان قبل ميلاده، وماعليه إلا أن يتخبط لعله يصيب الهدف ويحقق لحياته معنى، اما فلسفة العقلانية فترى أن المعنى هو ما يصنعه الإنسان لاحقا في سياقات معترك الحياة، إن المعنى ليس حل لغز يبعثره الغيب في طريق الإنسان، ولا هو رغيف خبز يرميه للناس عن سابق حكمة، بل هو ما نصنعه نحن وسط خيارات حياتية مفتوحة ومتجددة يمكن أن يغلب عليها الخير كما يمكن أن يغلب عليها الشر، وبهذا يتحقق كامل الإيمان بالغيوب القدرية، إذ أن اكتشاف قوانين الحياة (سنن الله) في كل تفصيلاتها، والتعامل معها هو محض التقدير والتقديس لهذه القوانين ( السنن ) وهو بالتالي الوصول لتعظيم الله وتوحيده، وكلما تعددنا فكرياً و ثقافياً اكثر، وحّدنا الله اكثر، التوحيد المجرد وليس المجسّد الطقوسي،إذ الفكر والثقافة، في فهم قوانين الله، لا يحتملان مبدأ: إمّا مع .. وإمّا ضدّ، بل هما فضاء مفتوح على ممكنات شتّى واحتمالات شتّى وخيارات شتّى، كلها متساوية في القيمة والمشروعية، على اعتبار أنها خيارات أفراد أحرار مختلفين في كل شيء، ومتماثلين في الإنسانية والوطنية، انحيازات الأفراد وتفضيلاتهم وإيماناتهم كلّها مشروعة ومتساوية في القيمة، لا يحقّ لأحد أن يصنّفها في أحد بابي الصواب أو الخطأ، الخير أو الشرّ، الإيمان أو الكفر، الوطنية أو العمالة، فكل الخيارات الثقافية والإيمانية التي تسعى للوصول لقوانين النفس والمجتمع والآفاق في سبيل تحقيق (سنن الله) قوانينه في المجتمعات البشرية، هي تفضيلات المؤمنين العبادية، لكن حينما تتضخم وتتسع المقدسات والثوابت الغيبية، يتضاءل العقل والحرية، وإنما يتم اخلاص العبادة لله وحده عن طريق: الحرية (بمعناها الثقافي) والعدل (بتجسيده الديموقراطي) والمجتمع المدني (بتنزيه الدين عن التوظيف السياسي) هذا هو معنى الحياة والعبادة ومقاصدها التي غاب عقل المسلم عنها، فوقع في شر الاستبداد باسم الدين . فشرّ الاستبداد هو مايقع ضمن عقيدة الإيمان القدري الغيبي، والذي يحول بين الإنسان ومقاومته ، والصبر على المظالم بحسبها قد سبقت في علم الغيب والقدر، حين يتمكن الاستبداد من العقل الإيماني، يصنعه على غرار القالب القابل للتشكيل على هوى السياسي ومصالحه الوقتية، والسبيل إلى ذلك التدجين الديني، الذي يعلق الحقوق الحاضرة بالغيب الآجل، من خلال سلطة التثقيف الديني، وكما يقول المفكر جاد الكريم الجباعي (.... ويبدو لنا اليوم أنّ الاستبداد، في أيّ زمان ومكان، لم يكن ممكناً إلا بسيطرة السلطة السياسية على المجال الثقافي سيطرتها على مجالات الإنتاج الاجتماعي، واستتباع المثقفين واستمالتهم أو تهميشهم والتنكيل بهم. بل إنّ سيطرة السلطة السياسية على مجالات الإنتاج المادية لم تكن ممكنة إلا بعد السيطرة على المجال الثقافي بوصفه مجالاً روحياً وأخلاقياً عاماً ومشتركاً بين أفراد الجماعة المعنية. ويبدو لنا أيضاً أنّ السيطرة على المجال الثقافي شكل مقنَّع من أشكال الاستعباد والاستتباع، تحت اسم جديد هو الولاء. فلم يخل الاستبداد، في يوم من الأيام، من استعباد واستتباع، ومن ولاء وبراء. آية ذلك أنّ الاستبداد كان دوماً في حاجة إلى سلطة الدين الوضعيّ، من حيث سيطرة الأخير على عقول الرعايا وضمائرهم). ويُعرف المستبد باستخدامه ادوات خاصة حين يحس بتململ الناس وخشية خروجهم عليه، فليجأ للفزاعات المعروفة (فوضى - اقتتال داخلي، اجندات خارجية، وغيرها) أو تقديمه اصلاحات بالتقسيط لتصبح كالمخدر للناس، عن حقوقهم الأساسية كما شاهدنا ذلك في الدول التي قامت فيها ثورات شعبية، اما نقد الاستبداد وتعريته، فلاتتم بنقد المخرجات السياسية الذي لايتعدّى نقد السطح السياسي وواقع الولاية على البشر بل إلى نقد البنى والعلاقات والقيم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأخلاقية التي جعلته كذلك، اما لكي يعم الامن والسلام والعدل وتكافؤ الفرص في أي مجتمع ، لابد من معرفة واكتشاف واستلهام قوانين الله التي بثها في الكون والحياة الدنيا (مجتمع الافراد والدول) والاخذ والعمل بها ، فهي قوانين محايدة، لاتحابي ولاتجامل احداً، وهي تمثل كل تفاصيل الحياة من عظائم الامور حتى صغائرها، من قانون الشمس إلى قانون قلامة الظفر، يأخذ بها الكافر والمؤمن فيصيب الهدف ويحقق معنى الحياة . [email protected]