بحضور معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز بن محي الدين خوجة، عُرضت مساء يوم الأحد ما قبل الماضي (27 مارس 2011)، مسرحية “الدود”، وذلك على خشبة مسرح مركز الملك فهد الثقافي بالرياض بمناسبة احتفالية المملكة باليوم العالمي للمسرح، والذي يصادف يوم 27 مارس من كل عام، ونظمتها دمعية الثقافة والفنون بالرياض. مسرحية “الدود” من فكرة وتأليف الفنان الدكتور راشد الشمراني، وإخراج ثلاثة مخرجين، هم: الدكتور شادي عاشور وخالد المريشد وأسامة خالد، وإشراف عام رجاء العتيبي. ولعب دور البطولة في المسرحية عدد من الشباب المسرحي الموهوب، هم: مبارك الحامد وعليان العمري وشجاح نشاط وعبدالله فهاد ومحمد الحارثي ومعاوية بن عمر ومحمد رمضاني، وفي إدارة الإنتاج عبدالعزيز العويدان. مسرحية “الدود” تدخل هذه المسرحية في إطار التجريب المسرحي، وقد استمر العمل والإعداد لها أكثر من 60 يومًا، للخروج بهذه الرؤية التي اعتمدت على الإخراج أولًا ثم أُسقط عليها النص. تحكي مسرحية “الدود” شيئًا من واقع العالم العربي بأسلوب ساخر، لما تشهده الساحة العربية من تغيّرات، والكشف عن بعض الأيادي الخفية التي تحاول العبث وإثارة الفتن في المنطقة، إضافة إلى الفساد الإداري، وعدم مبالاة بعض المسؤولين بقضايا المواطنين، وذلك عن طريق استخدام “الدود” للترميز عن الكثير من القضايا والإسقاطات، ولم تخلو سيول جدة من الإسقاط بشكل كوميدي، ف“الدود” كائن يعيش تحت الأرض، وهو كائن متطفل يحاول الخروج للتطفل على الكثير من الأمور التي منها غذاءه على أجساد الموتى وكأنه يمارس عملًا نبيلًا بتنظيف هذه الأجساد من العفن. وبهوية “الدود” استطاع فريق العمل إخراج المسرحية بعشرات الإسقاطات التي نجح في تجسيدها، فمثلًا نجد ممثل يقول للدود: “وكيف تريد أن ندفنك.. وكيف سيكون شاهد قبرك”، في إشارة إلى حياة “الدود” تحت الأرض وأن القبور مسكنه والجثث غذاؤه. وقد نجح الدكتور شادي عاشور في اللوحة الأولى من المسرحية عندما اعتمد على علاقة الممثل بالفراغ المسرحي والتناغم بين الضوء والصوت مع التكوين الجسدي للممثلين والتشكيل بينهم واستخدام الرقصات التعبيرية التي تميّز أسلوب الدكتور شادي عن غيره، خاصةً في “السيكودراما”. كما نجح الممثلون في التعبير عن الدود الذي يحاول الخروج من باطن الأرض رغم محاولة البعض منعه ولكنه يصر على الخروج لممارسة تطفله على الحياة وليتغذى على أجساد الموتى كعمل نبيل يقوم به في هذه الحياة وليقضي على تعفن هذه الأجساد والجيف. كما اُستخدمت التقنية الحديثة في المسرحية بشكل كبير في اللوحة الخاصة بالمخرج أسامة خالد القس والذي استخدم الميديا في الإضاءة، كما استخدم شاشة عرض لإظهار الممثل “عليان العمري” الذي قام بدور المونتير، في تحريك الكثير من اللقطات والتي منها مشهد “غرق الشعب”، فيما يعجز المسؤولون عن عمل شي لإنقاذهم بسبب التقاعس واللامبالاة، وحتى عندما يحاول “المسؤول أو القائد” الذي قام بدوره الممثل مبارك الحامد، بإنقاذ أحد أفراد الشعب، فإن المونتير يرفض ذلك كدلالة على القوة الخارجية أو الأيدي الخفية التي لا تريد إصلاح الأمور لما تجنيه من مصالح شخصية، في إشارة إلى التحكم في السلطة عبر إنتاج فيلم يتحكم فيه المونتير كيفما شاء، لنشاهد من بين المشاهد كيف للمونتير تسيير بعض الشخصيات بشكل بطيء وأخرى بشكل سريع ثم يعيدها بشكل بطيء وكأنه يتسلى بهذه الشخصيات، وقد كان الحس الكوميدي في هذا المشهد عاليًا جدًا لدرجة تفاعل الجمهور معها كثيرًا، خاصةً عندما كان الممثل “معاوية عمر” يسير فوق الجماهير، كما تم استخدام لغة الخرس أو ما يُعرف باللغة الجديدة والغير مفهومة، كترديد بعض الأحرف والعبارات مثل عبارة “لاب.. لاب.. لاب. فيما اعتمد المخرج خالد المريشد في اللوحة الثانية من المسرحية على أسلوب النحت في تجسيد الشخصيات، وذلك بعمل كركترات (شخصيات) متعددة، منها العجوز والقائد الذي يقوم بعمل منحوتات تتمرد عليه فيما بعد، ليكتشف أنه هو أيضًا ليس سوى منحوت في الأساس مثلهم (في إشارة إلى تسلط القائد المتعسف على من يقودهم بأنه مخلوق مثلهم وإن قام بتشكيلهم وفق عقليته). الوزير يهنئ طاقم المسرحية بعد تقديم عرض مسرحية “الدود”، وعقب العرض، صعد معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة إلى خشبة المسرح، وهنأ طاقم العمل فردًا فردًا، مبديًا سعادته بالعرض، وقال: “ما شاهدته في هذا المساء يعد عرضًا احترافيًا تأليفًا وإخراجًا وتمثيلًا”. مؤكدًا على أهمية الاحتفال بمثل هذه المناسبات العالمية باعتبار المملكة جزء من هذا العالم. خالد سامي يقرأ الرسالة وكان حفل اليوم العالمي للمسرح، والذي قدمه المذيع المتألق علي الخضيري، بدأ بقراءة رسالة اليوم العالمي للمسرح التي كتبتها هذا العام اليوغندية جسيكا أ. كاهوا، وقرأها الفنان خالد سامي بصورة متزامنة مع دول العالم، ثم شاهد الحضور عرضًا لفيلم تعريفي يحكي ملامح التجريب في مسرحية “الدود” من سيناريو وإخراج عبدالله العسيري. المسرح رسالة حب وكانت اليوغندية جسيكا أ. كاهوا قد أشارت في رسالتها التي قرأها العالم في وقت متزامن يوم 27 مارس، إلى أهمية أن يكون المسرح رسالة حب وسلام، وطالبت في رسالته بإيجاد برامج مسرحية إلى جانب قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بدلًا من البندقية والدبابات. وجسيكا كاهوا ناشطة في مجال السلام الاجتماعي ولها مبادرات دولية في هذا الشأن، وهي حاصلة على الدكتوراة في العلوم المسرحية، وكاتبة مسرحية، وممثلة، وأستاذة جامعية، وتحظى باحترام كبير على الصعيد الدولي لعملها الإنساني، وعُرفت باستخدام المسرح ووسائل الاعلام بوصفها قوة بناءة في مناطق النزاع وتحسين الصحة، وتعمل حاليًا أستاذة محاضرة في أقسام الموسيقى والرقص والدراما في جامعة ماكيريري في أوغندا وقد كتبت أكثر من 15 مسرحية. العمري.. أريد اكتشاف دوري الفنان عليان العمري أوضح أنه لعب دور الساحر في اللوحة الأولى من المسرحية، وأحد أفراد الشعب في اللوحة الثانية، فيما قام بدور المونتير في اللوحة الثالثة، وقال إنه لا يريد الكشف عن المزيد عن الشخصية التي لعبها كونه يريد أن يترك للآخرين اكتشاف الشخصية كلٍ حسب رؤيته وثقافته. معاوية.. السير فوق الجماهير أما الفنان معاوية عمر فقال: إنه شارك في المسرحية كراقص في اللوحة الأولى مع الحروف التي تعبّر عن الحب، كما جسّد في جزء آخر دور المسؤول الكسول واللامبالي الذي تأتيه مكالمة بوجود غرقى ولكنه لم يعبأ بهم، وفي الدور الثالث كان يجسّد الموظف الذي يسير فوق الجماهير الغارقة، وقد نجح معاوية في تجسيد دوره بشكل جيد، خاصةً عندما كان يسير فوق الجماهير التي كانت ستكشف عيوبه وقصوره فيما لو أنقذها فآثر السير فوقها لتزداد غرقًا، وقد تفاعل الجمهور مع هذا المشهد كثيرًا خاصةً عندما كان يسير ببطيء وبنشوة وتلذذ وكأنه شخصية “سيكوباتية” تتلذذ بعذاب الآخرين. الحامد.. 3 في 1 وقال الممثل مبارك الحامد إنه قام بدور الحاكم الديكتاتوري الذي يشكّل شعبه بالطريقة التي يريدها ثم يتغيّر على شعبه لينقلب عليه الشعب بطريقة مأسوية بعد أن خطف الخبرة من يد أحدهم، وكان الحامد من خلال دوره هذا قد نجح كثيرًا في تجسيد هذه الشخصية، خاصةً عندما كان يحاول إنقاذ الشعب عن طريق اصطيادهم بالصنارة ليعلّق أحد أفراد الشعب، ولكن “المونتير” يرفض ذلك، فيضطر إلى إعادة إغراقه، ليدخل في محاولة صيد أخرى وهنا تكون الغنيمة سيارة من نوع همر فيفرح بها المسؤول كدلالة على الفساد وقبوله الهدايا (الرشوة)، ليصبح الوضع هنا قائمًا على المصالح الشخصية، بعيدًا عن المصلحة العامة، إلى أن يقع هذا “المسؤول الديكتاتور” في الفخ، ويأتي الأمر بتغييره بعد المطالبة بذلك، ولكن للأسف يتغيّر المسؤول فيما يظل الوضع كما كان، ليأتي ديكتاتور جديد ويمارس نفس الدور دون أن تحل المشكلة من ساسها ويظل المغلوب على أمرهم في حلول مسكنة وليست جذرية. وعن تجربة الحامد مع ثلاثة مخرجين في عمل واحد، قال: “إنها تجربة ماتعة رغم صعوبة الوضع في أوله حيث جرت العادة أن يقوم الممثل بقراءة النص أولًا حتى تتبلور الشخصية التي سيتقمّصها ولكن في هذا العمل كان العكس حيث قدم الإخراج عن كتابة النص”. وأضاف الحامد: “لقد كنا كممثلين نعتمد على التخمين والاجتهاد بما يمثل 80% في العمل وقت البروفات وقد أجاد الدكتور راشد الشمراني في إسقاط النص على العمل وإن كنت أتمنى (من وجهة نظر شخصية) لو زادت جرعة الحوار في النص لأن المساحة تسمح بذلك”. وأمتدح الحامد دور المخرج أسامة خالد في العمل كون أسامة (على حد قوله) المخرج الذي شعرنا بأنه بذل معنا الكثير من في هذا العمل وهذا ليس نقصًا في حق الآخرين فكل المخرجين الثلاثة مشهود لهم بالتميّز. وسام نفتخر به من جانبهم، قال كل من الممثلين: محمد رمضاني ومحمد الحارثي وعبدالله فهاد وشجاع القحطاني إن الأدوار المنوطة لهم كانت متنوعة ومعبّرة، بدء من الدود الذي كان يحاول الخروج للحياة، ومرورًا بالشعب المقهور والغرقى وغير ذلك من الأدوار. منوهين بنجاح التجربة مع ثلاثة مخرجين في عمل واحد، وقالوا إن إشادة معالي وزير الثقافة والإعلام وصعوده للمسرح لمصافحتهم فردًا فردًا كان لها الأثر الكبير وسيظل ذلك محفورًا في أذهانهم كون هذه الاشادة أكبر وسام يعتزون به. لوحة مستقلة لكل مخرج قال المخرج الدكتور شادي عاشور: “إن كل واحد من المخرجين الثلاثة قام بعمل لوحة مستقلة دون أن يعرف عن المخرج الآخر، ثم جُمعت هذه اللوحات الثلاث في عمل واحد بعد ورشة عمل للوصول لثمة موحدة في أدوات المسرحية من إخراج، وإضاءة، وملابس، وغيرها”. وعن جود ثلاثة مخرجين في عمل واحد، قال الدكتور عاشور: “دائمًا ما نسمع في العالم المتقدم مسرحيًا أن الإخراج جماعي، وهذا يعني وجود فريق عمل مكوّن من مخرجين أو أكثر، وقد سبق وأن عملت مع المخرج أسامة خالد على إخراج مسرحية ((قودو وهاملت)) في افتتاح المهرجان الرابع للمسرح السعودي كأول عمل مسرحي يجمع بين مخرجين، وربما هذا العمل هو ثاني أو ثالث عمل في المملكة يتم بمشاركة أكثر من مخرج، ولكن الجديد في العمل هو أن الإخراج قد تم أولًا ثم كُتب النص، واعتقد أن العمل بهذه الطريقة يعد هو العمل المسرحي الأول من نوعه على مستوى الخليج وربما في العالم العربي”. وعن مدى نجاح المسرحية، قال عاشور: “إن النجاح كان على مستويات عدة، حيث إن العمل أعطى لمحة حقيقية لوجود مسرح سعودي يستطيع المنافسة، إضافة إلى تفاعل الجمهور الكبير الذي شاهد المسرحية، وهو ما يدل على أنه باستطاعتنا الوصول لجمهور عام وغير متخصّص بمسرح كان يُعرف بالعروض النخبوية (المسرح التجريبي)، وهي خطوة رائعة جدًا أن نخلق لهذا النوع من المسرح جمهور بهذا الحجم”. ويضيف عاشور: “كذلك ما وجدناه من إشادة المسؤولين والمثقفين بقيمة هذا العمل وحرفيته وعلى رأسهم ما قاله وزير الثقافة والإعلام والذي أشاد بالمسرحية ووصفها بأنها “عمل مسرحي يستحق الإشادة))، وهو فخر لكل العاملين بالمسرح بأن تأتي الإشادة من رأس الهرم الثقافي في المملكة”. واختتم الدكتور شادي عاشور بقوله: “كما أننا نفتخر بأن يكون أول حضور رسمي للمسرح السعودي قد انطلق من اليوم العالمي للمسرح وعن طريق لجنة الفنون المسرحية بالرياض عندما قدمت مسرحية ((الإكليل))”. الحوار من فهمي للأفكار الفنان الدكتور راشد الشمراني أوضح أن التجريب في المسرحية يكمن في إعادة التراتبية (الإخراج ثم النص)، بمعنى أن المخرجين صمّموا العروض بصورة كاملة (حركة وصوت وإضاءة)، ثم أتيت أنا ككاتب المسرحية وسكنت الحوار من خلال فهمي لأفكار المخرجين، وقال: “تجربة الإخراج أولًا ثم الحوار، فكرة تدخل في إطار التجريب الذي عادةً ما يكسر المألوف ويسعى إلى توسيع آفاق المسرح إلى مناطق جديدة”. وأشاد الشمراني بجهود فريق العمل وجدّيته في التصدّي لمثل هذه الأفكار، وقال: “أنا سعيد جدًا بعد ردود الأفعال الإيجابية على التجربة وتفاعل الجماهير مع العرض”. أين الموسيقى العربية الفنان علي إبراهيم أبدى إعجابه بالمسرحية وبالشباب الذي قام بالعمل: وقال: “هذا العمل الرائع يدل على وجود مواهب تحتاج إلى الدعم”، مشددًا على أهمية الاهتمام بمثل هذا الشباب الطموح. وحول فكرة المسرحية قال علي إبراهيم: “إن العمل نوع من التجريب، وقد نجح طاقم العمل كثيرًا، ولكن كنت أتمنى فقط أنه لو كانت الموسيقى عربية، فلماذا لم يجرب مخرجوا المسرحية إدخال موسيقى عربية ليصبح العمل عربيًا خالصًا دون إدخال أي مؤثرات غربية”. المسرح واجهة حضارية بعد ذلك ألقى الدكتور محمد الرصيص رئيس مجلس إدارة الجمعية العربية للثقافة والفنون بالرياض كلمة أكد فيها على التواصل مع الاحتفال الدولية، وأن احتفالها باليوم العالمي للمسرح يأتي من أهمية المسرح كواجهة حضارية للمملكة، مؤكدًا على ضرورة التطوير المستمر لشأن الثقافة والفنون. الفنون وُلدت لتكون مستقلة. ثم ألقى رئيس قسم المسرح بجمعية الثقافة والفنون بالرياض رجاء العتيبي كلمة عن استقلال الفنون، مشيرًا إلى ضرورة أن تتخذ وزارة الثقافة والإعلام كافة الإجراءات لجعل الفن مستقلًا، على اعتبار أن الفنون وُلدت لتكون مستقلة، ومثل على ذلك بالأغنية التي تخلّصت من الدوائر الحكومية ما جعلها أكثر مرونة وأكثر قدرة لتحقيق ما يُعرف باقتصاديات الفنون.