إنَّ روحَ الإسلام في علاقاته مع سائر بني البشر تجليها أكثر من آية في القرآن الكريم. هناك إذن حكمة؛ إنَّها حكمة تنمو مع أكبر الجماعات إلى أصغرها، وتزداد نمواً إلى جماعة النّوع الإنسانيّ في جملته، وإلى طبيعة الاجتماع في كل مخلوق إنساني منذ تكوينه في أصلاب آبائه وأجداده. لعلنا نسأل مثلما سأل غيرنا عن حكمة الاجتماع بين الشّعوب، وما هي نتائج الاجتماع في البنيان الإنساني؟ ولعلنا -أيضًا- نجيب بمثل ما جاب غيرنا بالقول:" حكمتها كلّها فيما يتعلّم المسلم في كتابه أنَّها وشيجة من وشائج المودّة والرّحمة، وسبيل إلى التّعارف والتّقارب". فالتعارف هو حكمة التّعدد والتّكاثر بين الشعوب والقبائل من أبناء وآدم وحواء: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لتعارفوا" والمؤمنون إخوة، والنّاس إخوان من ذكر وأنثى، وشرّ ما يخشاه الناس من رذائلهم أنَّها تُلقي بينهم العداوة والبغضاء كما يشير الخطاب القرآني في قوله:" إنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ". وفي ضوء ذلك، فقد عاش الكثير من مختلفيّ الأديان في ظلال الدّولة الإسلاميّة ينعمون بما ينعم به كل مسلم لعدد من القرون " لا تشكوا، ولا تفكر أن تشكوا، ولا تجد مبررًا للشكوى؛ لأنَّها تجد من التسامح الديني ما لا تجده أقليّة أخرى في الأرض كلّها في جميع مراحل التّأريخ، واقرأ إن شئت كتابًا كاملاً في وصف هذا التسامح لمستشرق نصراني يدعى ت.و.آرنولد T.W.Arnold بعنوان( الدعوة إلى الإسلام Preaching of the Islam ) يقول:" ومن هذه الأمثلة التي قدمناها آنفًا عن ذلك التّسامح الذي بسطه المسلمون الظّافرون على العرب والمسيحييّن في القرن الأوّل من الهجرة، واستمرّ في الأجيال المتعاقبة، ونستطيع أن نستخلص بحق أنَّ هذه القبائل المسيحيّة التي اعتنقت الإسلام؛ إنَّما فعلت ذلك عن اختيار وإرادة حرّة. وإنَّ العرب المسيحيين الذين يعيشون في وقتنا هذا بين جماعات مسلمة لشاهد على هذا التّسامح". يقول المفكر المسيحي الدكتور أمون رباط في إطار حديثه عن المسيحيين في المجتمع العربي بعد الفتح الإسلامي:" وإنَّ من بقي من هؤلاء النصارى موزعين إلى طوائفهم المعروفة بتسمياتها المختلفة؛ إنًّما هم شهود عدل عبر التأريخ، وليس على سماحة الإسلام فهو تعبير لا يفي الواقع؛ لأنَّ وجودهم أهل ذمة في الماضي؛ إنَّما كان مبنيًا على قاعدة شرعيّة وليس على شعورٍ من طبيعته أن يتضاعف أو يضعف؛ وإنَّما على إنسانيّة هذا الدِّين العربي (الإلهي) الذي جاء به القرآن، وهو الدِّين الذي أقرَّ لغير المسلمين، ليس فقط بحقوقهم الفرديّة والجماعية الكاملة؛ بل وأيضًا بالمواطنة الشاملة في عصرنا الحاضر". إنَّ الإسلام بقيمه، ومبادئه، لقادر على أن يقوم بدوره النّاجع في عملية التّصحيح والتّرشيد، وبعث قيم الفضيلة بين النّاس، ونعتقد " أنَّ السبيل لتحقيق هذا الأمل العظيم، بحسب قول الدكتور حامد الرفاعي- أن تعود للأمّة الإسلاميّة مكانتها، ولتتبوّأ من جديد مواقع الوسطيّة بين الأمم لتمارس مهمتها في الشهود الحضاري بين الناس، وتقدّم النموذج الرائد في التعايش البشري في إطار من التعدديّة في الأديان والأقوام والأجناس". وللحديث تتمة