أشار عدد من المختصين في مجال الآثار والمتاحف إلى أهمية الملتقى الذي سينعقد في شهر جمادى الآخر المقبل تحت عنوان “ملتقى أصحاب المتاحف الخاصة” والذي سيقام في إطار فعاليات اليوم العالمي للمتاحف برعاية صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار والذي تنظمه الهيئة بالتعاون مع كلية السياحة والآثار بجامعة الملك سعود. ونوه المختصون بالعزوف الذي تشهده ثقافة المتاحف خصوصًا، وثقافة التراث والآثار على وجه العموم، ومؤكدين أن هذا الملتقى يأتي بهدف جمع أصحاب المتاحف الخاصة بالمملكة مع مسؤولي الهيئة والجهات المعنية الأخرى، وإلى تبادل الخبرات والتجارب بين أصحاب المتاحف الخاصة، والتعرّف عن قرب على توجهات الهيئة تجاه هذه المتاحف الخاصة، وإثراء تجارب أصحاب المتاحف الخاصة فيما يتعلق بالمحافظة على القطع الأثرية والتراثية وأساليب عرضها المثلى، وإبراز أهمية المتاحف الخاصة ودورها في بث الوعي بأهمية التراث في السياحة الثقافية. الجدير ذكره أن عقد هيئة السياحة والآثار لهذا الملتقى سيكون كل عامين بتوجه الأمير سلطان بن سلمان والذي طالب أيضًا بانعقاده كل عامين في منطقة من مناطق المملكة في إطار تقدير الهيئة للدور الكبير الذي يقوم به أصحاب المتاحف الخاصة واهتمامهم بالتراث الوطني. ورغم أنه حتى وإن كان من الصعب التكهن بعدد المتاحف العامة أو الشخصية في المملكة، إلاّ أن هناك بعض الإحصائيات تشير إلى محاولة إحصاء العدد ومقاربته، ومنها ما تم توثيقه في الدليل المتحفي على موقع الهيئة العامة للسياحة والآثار، وهو ما يأتي استكمالًا لجهد وكالة المتاحف والآثار التابعة لوزارة المعارف سابقًا، والتي ضمّنت سابقًا ما يقارب السبعة وستين متحفًا، بين حكومية وخاصة، وجاءت الإحصائيات فيه بامتلاك منطقة الرياض -وفق تلك الإحصائية- ما يقارب ال 34 % متحفًا، لتليها منطقة مكةالمكرمة في عدد المتاحف ب 19%، فالمنطقة الشرقية ب 17 %، ثم عسير ب 9%، ثم حائل ب 6%، ثم تبوك والمدينة المنورة بنفس النسبة المتمثلة في 5% لكل منهما، لتأتي القصيم والجوف وجازان ونجران مجتمعة ب 4 %. وحققت الهيئة العامة للسياحة والآثار قفزة هائلة بعد ما نُشر مؤخرًا من إحصائيات قدرّت عدد المتاحف الخاصة بالمملكة بأكثر من 130 متحفًا خاصًا، وتم إصدار تراخيص مؤقتة ل (50) متحفًا خاصًا ممن تنطبق عليها الشروط. وعلى صعيد ذي صلة، كان فيما ضمّنه دليل المتاحف على موقع أمانة محافظة جده فقط، ما سجّله الموقع بعد أن أدرج 12 متحفًا رسميًا مسّجلًا على موقع الأمانة على مستوى جدة، فيما يُرجّح أن ماتمتلكه مدينة حضارية كجدة من مقومات متحفية أكبر من هذا العدد بكثير. من المسؤول.. وكيف الحلول الاستفسار الذي وجهه “الأربعاء” إلى مجموعة من المهتمين بشأن المتاحف هو: “من المسؤول عن ذلك العزوف وغياب الثقافة المتحفية لدى شرائح العموم؟”، و”كيف يمكن أن ينشأ جيل يهتم بماضيه والذي هو امتداد لمستقبله قبل حاضره؟”، و”هل المسألة فيما يتعلق بالتراث والآثار في أوساط العموم بين عدم الاكتراث بما لديهم من إرث أو إهماله بدواع أو دوافع أخرى أو حتى عصابات السرقة المنظمة؟”، ثم “هل من قراءة للنظرة المزدوجة المقابلة بين أصحاب المتاحف والعموم”؟ و”أين دور الهيئة العامة للسياحة في تجسير الهوة بينهما إن كان هناك هوّة أصلًا؟” وأخيرًا.. “المثقفون كيف ينظرون إلى المتاحف وإلى غياب الثقافة المتحفية وما هو دورهم التنويري في هذا الجانب؟”. خمسة مسائل بداية يستهل المستشار الثقافي لمتاحف عبدالرؤوف حسن خليل بجدة فهد سليمان العيسى بالقول: أعتقد أن الإشكالية تكمن مبدئيًا في خمسة مسائل، (المسألة الأولى) في تهميش الثقافة ذاتها وهي مسؤولية المدراء الجدد للثقافة وتحكّمهم بنوعية البرامج فلا بد من تنوّع في النُسُق المعرفية، و(المسألة الثانية) جدلية تتعلق بالمفهوم التقليدي الذي يخلط بين أهمية الكشف العلمي وبين أقوام نزل عليها العقاب، و(المسألة الثالثة) تكمن في مستوى رعاية المؤسسات الرسمية للتراث والآثار بوجه عام، و(المسألة الرابعة) تتعلق بالوعي.. أي حينما يتساءل البعض عن المردود المادي والمقابل الأدبي من المتاحف، وأخيرًا (المسألة الخامسة) وتتعلق بثقافة المتاحف كمفهوم. ويضيف العيسى: المتحف شبيه بالمسرح، ففي المسرح نكشف عن الأشياء، أمّا في المتحف فالأشياء تكشف عن ذاتها، وكلما ازداد عدد المهتمين بالمتاحف ازداد الوعي بالقيم الحضارية والإنسانية، فثمة أمم فاعلة، وأخرى خاملة، وتأتي ثقافة المتاحف نتاجًا لقدرة النُخب على تفسير التاريخ بالمعنى الأنطولوجي للكلمة، وعندما يكون البُعد التربوي متجهًا نحو بناء حضاري فإننا نوجّه الوعي إلى عملية بحث حتى يتم صقل الوعي بأدوات علمية ومعرفية، ومن أجل معرفة قيمة الشيء لابد من الوقوف على جوهره، ومفاهيم مثل “الهوية- الانتماء” تحتاج إلى صور عقلية خلّاقة، وهنا تتجلّى العلاقة بين القِيَم والتراث، كما ينبغي أن أشير إلى أن أصحاب المتاحف لدينا في المملكة هم أشخاص يملؤهم الشغف.. حالمون ببطولة الأمة.. مشاركون بفعالية في ساحة المعرفة، ولكن، ولأسباب معظمها اقتصادية، تغض إدارات المتاحف الخاصة الطرف عن أعمال الدعاية والإعلان وحتى المشاركة الإعلامية إلاَّ ما ندر، وأمّا العموم فمنهم من لم يتنفّس عبق التاريخ بعد, تلك الإشكالية، وعليها أن تنفتح على رحابة الزمن وكسب ثقافة بنّاءة لمحاكاة الأمم والحضارات التي تشاطرنا الكوكب، شريطة الأصالة والعصرنة، ولاشك بأن وجود الهيئة العامة للسياحة والآثار هو الرهان الممكن على مقاربة الأشخاص بهوية التراث، بدايةً بتكريس مفهوم “الآثار”، إضافة إلى التوصيات التربوية والإعلامية، وتبني عالم المتاحف ماديًا وأدبيًا، حتى يأخذ المجتمع حقه في التعرّف. ويختتم العيسى حديثه قائلًا: أخيرًا ينبغي أن أشير إلى أن هناك المثقف وهناك أيضًا ثقافة سائدة، فالمثقف بالمعنى الانستلوجي، هو ذو النزعة التنويرية، فهو يرجع الأشياء كلها إلى الفكر، شأن كل المثاليين، ولا زالت أعمالهم قائمة على الجانب النظري، وأخص بالذكر الباحثين في الأمم والحضارات وأعتقد بأنهم ينتظرون فرصة الظهور على المنابر. المتاحف ترفع مستوى الوعي أستاذة علم التاريخ الدكتورة هتون الفاسي تقول عن هذا الموضوع: عندما يكون لدينا متاحف فنحن بكل تأكيد نستطيع أن نرفع من وعي المجتمع، ولكن الإشكالية المترتبة على وجود متحف واحد فقط، وبالكاد يكون مؤهل لاستقبال الجمهور، يصبح المتحف نفسه مساهمًا بشكل مباشر في دفع الناس عن الاهتمام بهذا الجانب. والدول التي تهتم بالمتاحف، أو يكون شعبها لديه اهتمام متحفي، يكون المتحف في هذه الحالة جزءًا أساسيًا من التكوين الثقافي للمجتمع، فهو في هذه الحالة يكون كل جانب من جوانب الثقافة له، وينبغي هنا أن أشير إلى أن المتاحف ليست قاصرة على أن تكون متاحف تاريخية أو أثرية فقط، فهناك الكثير من المتاحف الفنية والمتاحف العلمية وغيرها الكثير في المجالات الثقافية الحضارية الإنسانية، وفي اعتقادي أن المتاحف لا تعد لدينا جزءا من جزئيات الحياة العامة، فهي لا تُعتبر في أولويات أنشطة المدارس، وكذلك لا تُعتبر أيضًا من الأولويات التي تهتم بها الأسر، وقليل من المتاحف التي تجد فيها نشاطًا أسبوعيًا مستمرًا لتستقطب الجمهور ليشارك ويتفاعل مع ما تحويه من مقتنيات، فمتحف الرياض الوطني -على سبيل المثال- يوجد لديه بعض المعارض الثانوية أو الموسمية التي تأتي بالتعاون مع هذه السفارة أو تلك أو جهة أو أخرى وتشهد نوعًا من الحراك، ولكن الزائر لهذا النوع من المعارض هم عدد محدود من الناس للانقطاع ما بين المتاحف والجمهور، وكذلك الجمهور عندما يصل إلى مثل هذه المتاحف لا توجد لديه نشاطات تشجعه على التفاعل الجيد. وتشير الدكتورة الفاسي إلى أن المسؤول عن ضعف التواصل مع المتاحف بالدرجة الأولى هي المؤسسات التعليمية والإدارات المؤسسة للمتاحف، فالإشراف المباشر للمتاحف التاريخية يعود إلى الهيئة العامة للسياحة والآثار، فيما تقف أنواع أخرى من المتاحف غير التاريخية بعيدًا عن نشاطات الهيئة مع محاولاتها الدائمة إلى توثيق كل ما يمكن توثقيه من المتاحف. وتضيف: لو نظرنا على سبيل المثال إلى من المسؤول الأول عن الإشراف على المتاحف الفنية لكانت في وجهة نظري وزارة الثقافة والإعلام وهذا يُنشىء نوعًا من الإشكال من حيث تداخل المتاحف فيما بينها البين حتى وإن كانت المسألة منوطة بالهيئة العامة للسياحة والآثار، وينبغي الاعتراف أنه لا يوجد لدينا إلى الأن أي متحف خاص بالفن السعودي، وكل ما يقام عنه ما هو إلا عبارة عن معرض مؤقت، والذي ينبغي أن أشير إليه هو أن الهيئة العامة للسياحة والآثار هي في طور الإعداد لدراسة توثيقية لجميع المتاحف في المملكة بالرغم أنها لا تشمل جميع المتاحف بل تشمل المتاحف الشخصية التي التزمت بالمعايير التي وضعتها الهيئة العامة للسياحة لقبول إدراج المتحف والتعريف عنه لديها، لكن المتاحف وأصحابها بحاجة إلى التوعية بكيفية المحافظة على ما لديهم من خلال معلومات تقنية، بالذات عندما تكون وثائق قابلة للتلف، وفي هذه الحالة هم بحاجة إلى الكثير من الدعم الفني الذي توفره الهيئة، وأحيانًا ما يحتاجونه من الدعم المادي للصرف عليها، كما أن المثقفين أنفسهم يتحمّلون جزءا من المسؤولية لأن دورهم في هذا الجانب هو تسليط الضوء على هذه المتاحف من خلال كتاباتهم، وكذلك نشر الوعي حولها من خلال مناشطهم ومنابرهم الثقافية، والإشكالية التي ينبغي أن يعترف المثقفون بها هو أنه ليس هنالك رابط فيما بينهم وبين المتاحف، كما ينبغي أن أشير إلى أن الصلة بين الجهات التنفيذية للمتاحف والمثقفين ضعيفة، فبعض الجهات المعنية المهتمة بالمتاحف تتحمل جزءا من غياب ثقافة المتاحف، فهي لا تنصاع أو لا تُلقي اهتمامًا في غالب الحالات بالتوصيات المقدمة من المثقفين أنفسهم، وفي تجربة شخصية جمعتني بمتحف الرياض على سبيل المثال قبل ما يقارب الخمس سنوات وقام المتحف بعمل نشاط من هذا النوع وقمت أنا مع غيري من الكتّاب والأكاديميين برفع توصياتنا واقتراحاتنا لتطوير المتحف ولكن اقتراحاتنا وتوصياتنا ذهبت أدراج الرياح. الثقافة المتحفية لدينا متدنية عضو نادي جدة الأدبي الدكتور يوسف العارف يدلي بدلوه في هذا الموضوع فيقول: ترتبط المتاحف بما يُسمى علم الآثار، وتبرز هذه المتاحف بشكل كبير عند الأمم التي تهتم بحضاراتها السابقة وما خلّفته من آثار، اهتمامًا يدعوها للحفاظ عليها والتعريف بها واتخاذها منطلقًا لدراسات حضارية وآثارية، لأنها المادة الخام والأس المعرفي الأول، وعلى مستوى مجتمعنا السعودي فإن الثقافة المتحفية على المستوى الجماهيري مفقودة أو في نسبة متدنية، أما على المستوى الحكومي فإن المشاهد يشعر بالفخر والامتنان، ففي كل مدينة نجد المتاحف المحلية التي تزخر بالمقتنيات الأثرية والتي تستقبل مئات إن لم يكن آلاف الزوار من المواطنين أو المقيمين أو الضيوف من خارج المملكة وخاصةً من الأجانب، وهناك فئات من المواطنين لديهم اهتمام بالآثار وأوجدوا لهم متاحف خاصة، وربما لا تخلو أي مدينة أو قرية من أولئك الذين يقومون على خدمة هذه الآثار، والثقافة المتحفية وإن كان وجد بها بعض القصور، فأظن أن الإعلام يتحمل الجزء الأكبر من هذا الضعف الثقافي، والتعليم كذلك، فلا يوجد في مناهجنا أي مادة آثارية أو تعريف بالمتاحف العامة أو المختصة. ويضيف الدكتور العارف: لعل الدور الذي تقوم به الهيئة العامة للسياحة والآثار من دعم وتشجيع ومساندة لأصحاب المتاحف الخاصة تحتاج إلى تفعيل أكثر لنقل هذه الثقافة الأثرية والمتحفية إلى الجمهور، وبقي أن أقول أن الدور الأكبر يقع على عاتق المثقفين والمختصين في علم الآثار وأصحاب المتاحف الخاصة في عمل وطني ثقافي تنويري يرفع منسوب الثقافة المتحفية في مجتمعنا السعودي. دور المختصون وليس المثقف ويختتم الشاعر أحمد الصالح (مسافر) الحديث برأيه عن هذا الموضوع بالقول: المثقف على أي نحو كان قد لا يؤدي غرض إيصال ثقافة المتحف إلى الجمهور، إنما هو جهد مؤسسات متحفية، إذ أن أكثر ما يهتم بتلك المؤسسات هم المختصون، أما المثقف فيمكن له أن يستفيد منها في قراءة التراث وفي قراءة الماضي، فمثل هذه القراءات للمثقف نفسه يمكن لها أن تثري ثقافته، حتى وإن كانت مثل هذه الآثار أشياء غير ناطقة، بينما يعبّر الكتاب أكثر عن كل ما يحويه، وهو ما جعل أغلب المثقفين أنفسهم ينصرفون عنها نسبيًا، لذلك أرى أنه ينبغي على المثقف أن يعرف الموجز وليس مناطًا بمعرفة التفاصيل عن التراث والآثار، حتى وإن افترضنا أن جانب التراث والآثار أُدرج ضمن برامج الأندية الأدبية، فأنا متأكد حتمًا من أن مثل هذه البرامج لن تستهوي الكثير من الحضور، حتى من المثقفين أنفسهم، أما عن من سيحضر فلن يحضر إلا مهتم أو مختص في هذا الجانب، أو ربما يكون حضور بعض الأشخاص قائم على جانب المحاباة لرئيس النادي أو لأحد أعضاءه، وحتى لو اهتمت المناهج، خاصةً في المتوسط والثانوي، بالآثار، أو حتى وضعت جزءًا عنها في مناهج التاريخ، فأيضًا هذا يفتح آثاره في آفاق وعوالم أخرى.