الدكتور مأمون عبدالقيوم رئيس جزر المالديف السابق رجل من طراز فريد، فهو ليس فقط رئيسًا سابقًا لدولة إسلامية حكم بلاده أكثر من ثلاثين عامًا بشرع الله، لكنه أيضًا مفكر إسلامي مهموم بقضايا أمته، ويشارك فيها بالرأي المستنير، ويحمل على عاتقه مشكلات الأمة، والبحث لها عن حلول جذرية تعيد لها كرامتها. وفي حواره ل “الرسالة” أكد أن المالديف دولة إسلامية100% ولا توجد فيها أي ديانة أخرى ويحتفظ المسلمون فيها بالهوية الإسلامية منذ 9 قرون، مشددًا على أن الشعب المالديفي سيقف حائط صد ضد محاولات إخراج الدولة من ثوبها الإسلامي الخالص والرغبة في تحويلها إلى دولة علمانية، وسيواجه المخططات كافة التي تسعى لنزع الهوية الإسلامية عنها. وأشار عبدالقيوم إلى أن هناك تحديات تواجه الأمة الإسلامية بسبب التيارات، مؤكدًا ضرورة العمل الدؤوب لإعادة الجماعات المتطرفة إلى حوزة الدين الذي جعل العدالة قوام الدولة وأساسها المتين ولم يفرق بين الناس بسبب الجنس أو اللون أو حتى المعتقد، وهو الدين الذي كفل للجميع حرية الحياة والفكر والعقيدة، كما أنه دين التآلف والتسامح والترابط ورغم ذلك فهو يخوض معارك متواصلة ضد الباطل منذ ظهوره، مؤكدًا أن العلاقة بين المسلمين وغيرهم تقتضي تقوية الصلات الإنسانية بيننا وبينهم وتبادل المصالح والمنافع والمعاملة بالحسنى. سألناه في البداية عن دولة المالديف وشعبها فقال: كنت رئيسًا لدولة المالديف لمدة 30 عامًا، منذ عام 1978م وكانت وقتها دولة صغيرة غير معروفة على الإطلاق، بل كانت ضمن أفقر خمس دول في العالم، فانتقلنا بها إلى قائمة الدول الأقل تقدمًا، بالإضافة إلى أن دخل السنوي للفرد عام 78 كان أقل من 200 دولار، أما الآن فقد وصل إلى4 آلاف دولار، وبذلك ارتفع دخل الفرد ليكون الأعلى على مستوى جنوب آسيا، والمالديف تتكون من عدد من الجزر المأهولة بالسكان يصل عددها إلى 198 جزيرة صغيرة يسكنها350 ألف نسمة كما أصبحت المالديف من أهم المزارات السياحية العالمية بفضل المنتجعات الطبيعية والشواطئ لذلك فإن السياحة هي المورد الأول للاقتصاد في الدولة، حيث كان عدد السائحين الذين زاروا الدولة عام 78 حوالى 15 ألف سائح، ووصل هذا الرقم عام 2008م إلى670 ألف سائح سنويًا، أي أكثر من ضعف السكان. مواجهة المخططات هل من الممكن أن تتحول المالديف إلى دولة علمانية مع الحكم الحالي بعدما كانت دولة إسلامية خالصة خلال السنوات الماضية؟ نحن دولة إسلامية خالصة ولا توجد لدينا أي ديانة أخرى ونحتفظ بتلك الهوية منذ تسعة قرون، ويوجد بالمالديف كثير من المؤسسات الدينية، أهمها المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ويتبع رئاسة الجمهورية مباشرة ويهدف إلى تبصير الشعب بالإسلام، وهو أهم جهة رسمية دينية، ولن نسمح بتحولها إلى دولة علمانية، سنواجه المخططات كافة التي تسعى لنزع الهوية الإسلامية الكاملة عن جزر المالديف. هل ستستمر دراسات العلوم الإسلامية في المالديف أم من الممكن أن يكون هناك تغيير جذري فيها في ظل الوضع الحالي؟ بالتأكيد لن يتم إلغاء العلوم العربية والإسلامية في المالديف وسنقف ضد هذا الأمر بكل ما أوتينا من قوة، ومن الصعوبة على أي رئيس مهما كانت توجهاته أن يقوم بإلغاء نظام تعليمي كامل ظل موجودًا في البلاد لسنوات طويلة، فالمدارس في المالديف تدرس الثقافة الإسلامية واللغة العربية كمواد أساسية، ومن المؤسسات الإسلامية المهمة معهد الدراسات الإسلامية الذي افتتح عام 1979م، وبعد أن توليت منصب رئيس المالديف بسنة أصبح المعهد أكبر مركز للثقافة الإسلامية. الاختراق الصهيوني مع الاحترام الكامل لما تقوله وتؤمن به إلا أن الواقع المشاهد على الأرض مختلف تمامًا؟ دولة المالديف ظلت طوال 30 عامًا مضت عصية على الاختراق الصهيوني ورافضة لكل المغريات المقدمة لها لفتح بعض النوافذ مع تل أبيب، شأنها شأن العديد من الدول الإسلامية، ورغم أنني تعرضت في الماضي لسحب جواز سفري بسبب موقفي من إسرائيل وكان ذلك في أواسط الخمسينيات من القرن الماضي إلا أنني لم ألتفت إلى ذلك كثيرًا عندما أتيت إلى حكم البلاد، وظللت رافضًا لإقامة علاقات مع تل أبيب قبل أن أرى ميلاد دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف، ولكن يبدو أن الأوضاع في طريقها للتغيير داخل جذر المالديف ونتمنى أن تكون لدينا القدرة على العودة بالبلاد إلى سابق عهدها الإسلامي رغم عدم وجودنا في الحكم. هل سيستمر الوضع داخل المالديف بهذه الصورة التي تسحب الدولة إلى حافة التغريب الكامل؟ بالتأكيد هذا الأمر لن يستمر طويلًا بإذن الله أو هكذا نتمنى وبخاصة أن هناك حالة غليان داخلي تحيط بالشعب المالديفي المسلم اعتراضًا على محاولات وصم البلاد بالعلمانية والتغريب، وعلى صعيدي الشخصي أحاول تعويض هذا الغياب بتواجدي المستمر في الداخل الإسلامي والمحافظة على قوة العلاقات مع الدول العربية والإسلامية باعتبار هذه العلاقات سندًا لاستقرار البلاد، ولكن للأسف الشديد فإن الشعب المسلم في المالديف على أعتاب أزمة كبيرة تتعلق بهويته الإسلامية. تشويه صورة الإسلام من وجهة نظرك كمفكر إسلامي في المقام الأول ما العوامل التي أدت إلى تشويه صورة الإسلام في الغرب؟ هناك عوامل كثيرة منها الإعلام الصهيوني مقابل تقصير الإعلام الإسلامي والمسلمين، وبخاصة الدعاة الذين أصبح دورهم محصورًا داخل جدران المساجد، وكذلك بعض الدول الإسلامية التي للأسف لا تهتم بتصحيح صورة الإسلام، كما أن المؤتمرات الإسلامية في العالم الإسلامي لها دور في تصحيح صورة الإسلام، ولكن هناك بطء في تنفيذ ما يصدر عن هذه المؤتمرات، لذلك يجب على العلماء أولًا، ثم القادة والسياسيين ثانيًا، تفعيل دور المؤتمرات في العالم الإسلامي. الأمة الإسلامية تواجه خلال الفترة الأخيرة العديد من التحديات على الأصعدة كافة فكيف تنظر إلى هذه التحديات وكيف يمكن مواجهتها؟ هناك تحديات تواجهنا بسبب مختلف التيارات السياسية مما يحتم علىنا كمسلمين إعادة النظر في طرق علاجنا للأحداث للمحافظة على تراثنا الإسلامي والحضاري، وفكرنا المستقل حتى نستطيع المضي قدمًا في تحقيق آمال شعوبنا لمزيد من التقدم، وهناك مسلمون لا يقبلون التحولات الفكرية التي تحدث في العالم نتيجة للتقدم التكنولوجي غير المسبوق والنزاعات السياسية والثقافات المختلفة ومنهم من يشوه صورة الإسلام من جراء ضيق الأفق والتعصب وهؤلاء الناس في أشد الحاجة لمن يأخذ بيدهم ويرشدهم للطريق السليم، لأن جيل التعصب الموجود في ربوع الأمة خلال الفترة الحالية أشد خطرًا علىها وعلى الإسلام من أعدائها أنفسهم. تصحيح المسارات إذا كان هذا هو الحال فكيف نعيد هؤلاء المتطرفين إلى صحيح الدين وجوهره؟ نحن في حاجة إلى أن نعيد من خرجوا عن الخط إلى الصواب وإلى منهج الوسطية ولا بد من العمل الدؤوب لإعادة الجماعات المتطرفة لحوزة الإسلام وإقامة الإخاء بين المسلمين لنعيد تشكيل العالم الإسلامي كما يجب أن يكون، وهناك جامعات ومؤسسات تعليمية كثيرة في العالم الإسلامي تخرج كل عام عددًا كبيرًا من المسلمين. محاولات قديمة متجددة هل محاولات تشويه صورة الإسلام وليدة الصراع بين الغرب والعالم الإسلامي أم أنها مرتبطة بالإسلام نفسه منذ بزوغ نوره على العالم؟ تشويه صورة الإسلام ورسالته وصاحبها قد بدأ من أول يوم نزل فيه الوحي على الرسول الكريم صلى الله علىه وسلم في مكةالمكرمة، ولا يزال أعداء الإسلام في كل مكان يقومون بتشويه صورة الإسلام ومجمل القول إنه منذ ظهور الإسلام وهو يخوض معارك متواصلة ضد الباطل الذي يبذل كل ما يستطيع من أسلحة لطمس معالم الحق الذي جاء به، وسيظل هذا الصراع قائمًا إلى أن يرث الله الأرض ومن علىها، ونظرًا لأن الإسلام هو الدين الذي ختم الله به الرسالات السماوية ولأنه كان آخر حلقة في سلسلة اتصال السماء بالأرض، فإنه لا يزال يتعرض أكثر من غيره لإثارة الشبهات حوله. حلول عملية ولكن كيف يمكن تصحيح صورة الإسلام داخليًا وخارجيًا من وجهة نظرك؟ تصحيح الصورة المشوهة للإسلام يبدأ من الرد على الشبهات التي تثار حوله ورسالته وصاحبها صلى الله علىه وسلم، فعلينا أن نتخذ مسارات مختلفة للوصول إلى ذلك، ومن تلك المسارات إيجاد حلول عملية للنزاعات الإسلامية الداخلية، ومما لا شك فيه أن النزاع المزمن بين الفرق والمذاهب الإسلامية وبين الدول الإسلامية قد أدى إلى تشويه صورة الإسلام والمسلمين في العالم، ومما يؤسف له أن كثيرًا ممن ينتمون إلى الأمة الإسلامية لا يتعلمون من الماضي وتجاربه القاسية والمريرة ولا يزال يكفر بعضهم البعض ويحارب بعضهم البعض بالكلمة والسيف والقنبلة وإذا أردنا أن نصحح النظرة المشوهة للإسلام فلا بد من تسوية هذه النزاعات الإسلامية بين الفرق والدول الإسلامية، ولا بد من توحيد الصف الإسلامي سياسيًا لكي نعطي للعالم قولًا وفعلًا صورة مشرقة للإسلام والمسلمين، فالإسلام يدعو المسلمين إلى الترابط والتآلف والتراحم والتكاتف فيما بينهم حتى تكون للأمة الإسلامية مهابة وعزة وكرامة أمام غيرها من الأمم، فهناك آيات قرآنية وأحاديث نبوية كثيرة تدعو إلى ترابط الأمة ووحدتها وتآلفها وتراحمها وتكاتفها، وإبراز الصورة المشرقة الحقيقية للإسلام وقيمه ومبادئه وأخلاقياته، وهذه ليست مجرد شعارات يرفعها الإسلام وإنما هي مبادئ أساسية راسخة قام علىها بنيان الإسلام وقد جعل العدالة قوام الدولة وأساسها المتين وأمر بإقامة العدل بين الناس أجمعين دون تفريق بين رجل وامرأة وبين مسلم وذمي وبين أبيض وأسود، ولقد سجل التاريخ الإسلامي بحروف من ذهب قول النبي صلى الله علىه وسلم “إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا علىه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها”، فإن العدالة أساسها المساواة بين الناس في الحقوق والواجبات والمساواة أمام القانون والمساواة في المسؤولية المدنية والجنائية وفي استحقاق الجزاء الحسن على فعل الخير والعقوبة على فعل الشر دونما تفرقة على أساس اللون والجنس والدين. صناعة الفكر كيف نواجه نظرة الارتياب والخوف والصورة المغلوطة في العالم الغربي تجاه الإسلام والمسلمين؟ إذا أردنا تصحيح الصورة المشوهة للإسلام ورد الشبهات يجب تغيير مسار الحوار الحضاري بين المسلمين والدول الغربية وتوحيد الفكر ووجهات النظر وصناعة فكر جديد يقوم على تحقيق السلام الإنساني لكي نبرهن من جديد للعالم أجمع أن الإسلام دين سلام ورحمة وسماحة وتقدم، ولن يتأتى ذلك إلا إذا أقمنا الدليل بسياساتنا وأعمالنا وأفكارنا ورؤيتنا لإثبات أن الإسلام ليس صالحًا لأن يواكب كل تطورات العصر وحسب، بل هو صالح أيضا لأن يسهم إسهامًا فاعلًا في جميع مجالات السعي البشري والحفاظ على كرامة الإنسان وحقه في الحياة والرقي، ويجب إقامة حوار بناء بين مفكري الإسلام ومفكري الأديان الأخرى، وذلك عن طريق إقامة ندوات ومؤتمرات مشتركة بيننا وبينهم بالتعاون مع المؤسسات الخاصة في الأقطار الإسلامية ومع مثيلاتها في البلاد غير الإسلامية، يشارك فيها العلماء والمفكرون والمثقفون من الطرفين لتوضيح حقيقة الأديان السماوية، وضرورة التعايش السلمي بينها ويقوم فيها علماؤنا ببيان مزايا الإسلام من أنه دين يدعو إلى السلم والسلام ويدعو إلى الترابط والتراحم والحياة المشتركة بين الناس جميعًا ويدعو إلى المساواة وإقامة العدل وبناء حياة أفضل. وماذا تقتضي العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين في الدول الإسلامية؟ من مقتضيات العلاقة مع غير المسلمين تقوية الصلات الإنسانية بيننا وبينهم وتبادل المصالح والمنافع والمعاملة بالحسنى والتعاون البناء المثمر في إقامة السلام وتوفير الأمن وحماية الحياة وفي وجوه الخير كلها، ومن مقتضياتها أيضًا كفالة الحرية الدينية لغير المسلمين الذين يقيمون في ديار الإسلام، فقد قرر الإسلام المساواة بين المسلمين والذميين فلهم ما للمسلمين وعليهم ما علىهم، وقد كفل الإسلام للذميين بصفة خاصة حريتهم الدينية في كثير من الأمور، منها منع الإسلام إكراه أحد منهم على ترك دينه وإعطاؤه لأهل الكتاب الحق في ممارسة شعائر أديانهم وحماية لكرامتهم وصيانة لحقوقهم وتركه لهم الحرية المطلقة في قضايا الزواج والطلاق والنفقة حسب أحكام أديانهم وإباحته للمسلمين مبادلة أهل الذمة البيع والشراء وغيرهما من المعاملات، وإقامة العلاقات الاجتماعية معهم. أثناء وجودك في كرسي الرئاسة كيف كنت تتفاعل مع القضايا العربية والإسلامية؟ لسنا عضوًا بمجلس الأمن، لقولهم نحن دولة صغيرة، لكننا عضو في الجمعية العامة ولدينا مندوب رسمي ونؤيد جميع القضايا الإسلامية وأهمها قضية فلسطين، ونتفاعل مع القضايا العربية والإسلامية الأخرى كشعب مسلم مهتم بهموم أمته الإسلامية أولا وأخيرًا. حب التدريس أنت أستاذ جامعي قبل أن تكون رئيسًا للدولة فهل في فترة رئاستك التي استمرت أكثر من ثلاثين عامًا كنت تحرص على التدريس بالجامعة؟ أنا أحب السلك الأكاديمي وأحب التدريس في الجامعة لذلك أمارس هذه الهواية كما إذا أردت أن تقولها هواية وأحاضر في كلية الدراسات الإسلامية منذ عشر سنوات وأنا آخذ محاضرة واحدة في الأسبوع، ساعة واحدة ليس كثيرًا لكني استمتع بإلقاء الدرس وكذلك أيضًا الطلبة يستمتعون بالسماع لدرسي ومحاضرتي. كذلك اهتممت بالمساجد ودورها حتى أصبح عدد المساجد بالمالديف قرابة 8 آلاف مسجد، والمهم ليس العدد بل دور المسجد، فنحن نركز على دوره كي يؤديه حتى يعرف المجتمع حقيقة الإسلام.