انتقد الدكتور محمد بن عبدالرحمن الربيّع الرئيس السابق لمجلس إدارة نادي الرياض ظاهرة انقطاع كثير من المشروعات الثقافية والتربوية عن مواصلة نشاطها بانتقال أو رحيل من يتولونها، ليبدأ من يأتي بعده من الصفر؛ واصفًا هذا المسلك بالأمر الخطير والمؤلم؛ قائلًا: إننا في كثير من مشروعاتنا الثقافية والتربوية نعتمد على اجتهادات الأفراد فإذا تغيروا من مواقعهم انتقالًا إلى أعمال أخرى أو إلى القبور قبرت مشروعاتهم معهم وعدنا إلى البدء من نقطة الصفر.. وما هكذا تبني الأمم.. الكل يبدأ من الصفر ويهدم ما بناه من قبله. فمتى نتجه إلى البناء التراكمي في كل أمورنا ألا نخشى أن ينطبق علينا «كلما دخلت أمة لعنت أختها».. ومضى الربيع في حديثه منتقدًا كذلك العديد من الظواهر في المجتمع السعودي في سياق قوله: الكل يحارب الشللية والقبائلية والمناطقية قولًا ويؤصلها ويلتزم بها فعلًا إذا قدر على ذلك وتمكن منه.. ندعو إلى احترام الآخر عندما يكون صوتنا خافتًا وليس لنا سلطة ومكانة فإذا تمكنا كنا أشد الناس اضطهادًا للرأي الآخر.. كثير من خلافاتنا وجدلياتنا لفظية؛ نحن ضحايا الألفاظ العائمة والمصطلحات الهائمة أكثر مما نتوقع؛ متى نتفق أولًا على تحرير المصطلح وتحديد نقاط الاتفاق لنبني عليها وننميها ونقاط الخلاف لنصل إلى حلّ وسط لها؟! هجوم شديد على إدارات الأندية الأدبية السابقة رحمها الله ثم جاءت الإدارات الجديدة ولم تسلم من الهجوم.. هل طبيعة الأديب أنه هجّاء متبرم أم أنه مثل الأدب إذا صدقنا مقولة أنه ينمو في الشر ويزهر عند الهزيمة؟! متى نتجاوز تصنيف الناس إلى ليبرالي وإسلامي وقومي؛ متى نترك محاكمة الناس بالنوايا التي لا يعلمها –حقيقة – إلاّ علام الغيوب؟! متى نتجاوز نظرية المؤامرة إلى البحث في الأسباب الحقيقية لانتكاساتنا وما نعيشه من شتات وتشاحن وتخوين؟! الوطن في حاجة إلى الجميع وكلٌٍ له دور ينبغي أن يقوم به؛ فلماذا لا نتفق على ذلك ونعمل من أجل الوطن ورفعة شأنه وحماية مكتسباته ونترك المخلوقين للخالق لأنه هو الذي يعلم السر وأخف. جاء ذلك في أمسية تكريمه بمنتدى الاثنينية في جدة يوم الاثنين 7 فبراير 2011م، حيث تناول الربيع في كلمته تجربته في النادي مبينًا أنها تحمل في طياتها نجاحًا وفشلًا وإيجابيات وسلبيات تاركًا الحكم عليها لزملائه الذين عايشوها معه؛ مؤكدًا أنه لم يدخل في نزاعات ولا مناوشات مع أحد؛ بل أن الكل رضي عن سلوكه وأخلاقه وتعامله وإن لم يرض على نشاطات النادي. معددًا جملة من المنجزات التي قام بها أثناء رئاسته للنادي من بينها إنشاء «ملتقى النقد الأدبي في المملكة»، واصفًا إياه بأنه حدث مهم لم يسبق لنادٍ أدبي سعودي أن قام به، ومن بين المنجزات أيضًا إصدار دورية (حقول) بوصفها أول مختصة في ثقافة الجزيرة العربية، وإنشاء جائزتين أدبيتين الأولى للإبداع الأدبي السعودي، والثاني للدراسات المتعلقة بالأدب السعودي. كذلك سرد الربيع جهوده في خدمة اللغة العربية تدريسًا وبحثًا واستشارة واشتراكًا في كثير من الندوات والمؤتمرات، ونيله لعضوية مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وإسهامه في التخطيط للمركز التربوي للغة العربية بالشارقة، ومشاركته في الهيئة المشتركة للتراث بمعهد المخطوطات العربية بالقاهرة. ونيله أيضًا لشرف عضوية مجلس أمناء «مركز الملك عبدالله ابن عبدالعزيز العالمي لخدمة اللغة العربية»، مقدمًا موجزًا للأفكار والرؤى التي خرج بها من هذه التجربة واضعًا إياها في نقاط بقوله: * نظم المعنيون باللغة العربية مئات المؤتمرات والندوات وأصدروا آلاف التوصيات ولكن مردود ذلك العمل كان ضعيفًا فلا قيمة لتوصيات خيالية لا تستند إلى الواقع ولا تقوم على الرصد والتحليل للمشكلة ولا تضع حلولًا عملية وآليات منطقية لعلاج نقص أو تطوير أسلوب. * تقدمت الأبحاث والأساليب في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها أكثر من أساليب تدريسها لأبنائها فقد كان الميدان الأول –أعني تعليمها لغير أهلها– ميدانًا بكرًا ومنفتحًا على التطورات العالمية في ميادين تعليم اللغة الثانية أيًا كانت بينما يقف كثير من التقليديين حجر عثرة في طريق التطوير والتحديث. * العربية لغة القرآن الكريم ولغة الحضارة العالمية ولغة العلم والأدب كل ذلك صحيح مسلم به ولكن من العيب أن نظل نردد تلك العبارات والأحكام – وهي صحيحة – دون عمل جاد لتأخذ العربية مكانتها في نفوس أبنائها ومكانها بين لغات العالم ولتفجير طاقاتها الكامنة ولتطويع التقنيات الحديثة لخدمتها. خالصًا من ذلك إلى القول: إن الخطر الذي تواجهه لغتنا العربية من زحف العولمة اللغوية هو خطر حقيقي تسببنا فيه نحن ويتحمل هذا الجيل تبعات الهزيمة اللغوية مع أن (العربية) لغة عالمية ويمكن أن تعود لغة للعالم الإسلامي الفسيح وليس العالم العربي المحدود لكن ذلك لا يكون بالتباكي عليها بل بالعمل الجاد والتخطيط السليم وقبل ذلك بتجاوز الهزيمة النفسية حينًا والشعارات البراقة حينًا آخر. كذلك تناول الربيع في حديثه تبنيه لفكرة سلسلة علمية بعنوان «آداب الشعوب الإسلامية»، وسلسلة رديفة لها هي «معاجم للكلمات العربية في لغات الشعوب الإسلامية «، فكان أن تمّ ذلك وأصدرت الجامعة ما يقرب من عشرين مجلدًا لباحثين عرب ومسلمين في الأدب التركي والأوردي والأندونيسي والهوسادي والبشتوني والطاجيكي. مختتمًا بقوله: كانت أمنيتي الكبرى وهي إصدار موسوعة شاملة عن الأدب في الجزيرة العربية منذ أقدم العصور إلى اليوم، فوافقت الجامعة، ولكن التنفيذ توقف. بادرة غير مسبوقة وكان مؤسس الاثنينية عبدالمقصود خوجه قد استهل الأمسية بكلمة أشار فيها إلى الجهود الكبيرة التي قام بها الربيع، مشيرًا إلى أن كتابه «أدب المهجر الشرقي» يمثل بادرة غير مسبوقة في دراسات الأدب المهجري التي تم تصنيفها كنماذج فريدة للآداب العربية خارج حدود العالم العربي. مشيرًا إلى أن رئاسة الربيع مجلس إدارة نادي الرياض الأدبي خلال الفترة 1419 – 1427ه (1998 – 2006م) «شكلت واحدة من أجمل وأخصب فترات عطائه الموسوم بالنماء والتنوع». كذلك أشار الخوجة إلى انشغال الربيع بأمور عدة في الفضاء الثقافي، أبرزها قضايا الحوار البيني مع المحيط الإسلامي الواسع، مبينًا أن من ملاحظاته النابهة في هذا السياق، إشارته إلى العلاقة الوثيقة والأواصر القريبة بين الأدب العربي، وآداب تلك الشعوب الإسلامية. أما معالي الدكتور محمد بن سعد السالم، رئيس مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية، وعضو مجلس الشورى فقد تناول في حديثه الذكريات والمواقف التي جمعت بينه وبين الدكتور الربيّع في جامعة الإمام ومعهد الرياض العلمي، وكلية اللغة العربية بالرياض. فيما اعتبر الدكتور أنور ماجد عشقي، رئيس مركز الدراسات الإستراتيجية في كلمته تطور جامعة الإمام يعد حسنة من حسناته، مبينًا أن في رقبة كل من تخرج منها دين للدكتور الربيع، إما بالتوجيه، أو التعليم أو المساعدة. كذلك أشار إلى دور الربيع في ندوة الخميسية في الرياض، والمدينةالمنورة، واصفًا إياه بأنه قلب يتسع للمحبة، فلا يعرف الحقد ولا الطائفية ولا العنصرية، ولا الجهوية. الدكتور عبدالله الحيدري قال: إن التفاعل الفاعل مع المجتمع والاندماج فيه والمشاركة في صنع النشاط الثقافي وتنميته يحمل بعدين: الأول أن الأستاذ الجامعي وقد أتيح له الحصول على أعلى الشهادات الجامعية ينبغي ألا يقتصر عمله على ما يسند إليه رسميًّا من محاضرات ومناقشات واجتماعات، وإنما يحسن أن يمد يده إلى المجتمع مشاركًا ومساهمًا بعلمه وبخبراته وتجاربه بقدر طاقته ووقته، وأن يخرج كم إطار الجامعة الضيق إلى فضاء المجتمع الأرحب. والثاني أن صنيع الدكتور محمد الربيع هذا يمثل تطبيقًا عمليًّا وفعليًّا لرسالة الجامعة التي تقوم على ثلاثة محاور رئيسه وهي التعليم والبحث وخدمة المجتمع. الدكتور عبدالمحسن القحطاني، رئيس أدبي جدة كلمته أشار إلى أن الربيع أراد للعصامية أن لنفسه، وأنه جاحظي تناول كتاب البخلاء، فتأدبًا قال: الاقتصاد في البخلاء، ولم يقل الشح أو البخل، ثم وضع نوادر مقابل نوادر البخلاء، مؤكدًا أنه عاش في اللغة وللغة، يتدثر بها، ويلتحف بأغصانها، ثم بعد أن فرغ منها أخذها لخارج العالم الإسلامي، ثم تلمس للمهجريين في ذلك المكان وألف كتابه «شعراء المهجر الشرقي»، راجيًا أن يستقر هذا المصطلح في أذهان الناس، لأنه لم يستقر بعد. كما تحدث الدكتور عبدالله عسيلان، رئيس أدبي المدينةالمنورة ملقيًا الضوء على المعرفة الواسعة للدكتور محمد الربيع برجالات العلم والثقافة وأساتذة الجامعة، آملًا استثمارها في حديث عن هذه العلاقات. وعلى ذات النسق تحدث الدكتور عبدالله المعطاني، عضو مجلس الشورى عن شخصية الدكتور الربيّع، مبينًا أنه يحمل سمات العالم الجليل، والباحث الجاد والمتعمق في التراث النقدي.، ماضيًا إلى القول: لو فقط وصفت كتابه عن ابن طباطبه في عيار الشعر، ذلك الناقد المبدع والخطير، لكفى أن أضعه في مصاف النقاد الذين يحملون قامة كبيرة في هذا الميدان، ويعتبر هذا الكتاب من أعمق الكتب لأن صاحبه صاحب رؤية عميقة في النظريات النقدية، والنقد وفنونه. وقد شهدت الأمسية العديد من المداخلات والأسئلة تركّز أغلبها على قضايا اللغة العربية وما تواجهه من أخطار، حيث توجه الدكتور عاصم حمدان بسؤال مفاده: لماذا نلقي بالتبعة دائمًا على العامل الخارجي أليس بعض من صحافتنا وقنواتنا هي التي تقيم المناسبات وتعطي الجوائز في سبيل نشر اللغة العامية، أليس هذا موقفًا ضد اللغة العربية الفصيحة؟ ليجيبه الربيع بقوله: أعتقد أننا نتفق أنا والدكتور عاصم حمدان، فهذه مسؤوليتنا نحن، وإن حصل تقصير فهذا تقصير من هذا الجيل وسيحاسب عليه. أما العربية فهي خالدة بخلود القرآن الكريم. وإن قصر جيل فسيأتي جيل آخر يتجاوز هذا التقصير. ولا نلقي باللائمة على الآخرين. والتقصير منا نحن. في رده على سؤال حول الأسلوب العلمي المتأدب أوضح الربيع أن هناك اختلافات بين الأسلوب الأدبي عن الأسلوب العلمي، وهناك من يستطيع أن يقدم العلوم بأسلوب أدبي سلس. ضاربًا لذلك مثلًا بالدكتور أحمد زكي رئيس تحرير مجلة العربي الذي كان يكتب في موضوعات علمية عميقة بأسلوب يتمكن من خلالها القارئ أن يفهمها. الدكتور جبريل العريشي استفسر عن كيفية توظيف تقنيات المعلومات في دعم اللغة العربية وتقنيات المعلومات في ظل العولمة، فأجابه الربيع: هذا الموضوع شغل الكثير من المختصين في اللغة العربية. حتى الآن لم نخط الخطوات الضرورية لذلك. فكثير من المختصين في التقنية هم من محبي اللغة العربية ويسعون لخدمتها، وهناك المختصون في اللغة العربية لهم رغبة في الاستفادة من التقنية. طرحت فكرة أن يتم إنشاء تخصص جديد وهو علم اللغة الحاسوبي يلتحق به خريجو قسم اللغة العربية على أن يدرسوا التقنيات والحاسب الآلي، والعكس صحيح أيضًا. أعتقد أن هذا الأمر هو الذي ينقصنا. علينا أن ننظم الأمر، والتقنيات تقدم إلينا خدمات جليلة. في رده على استفسار عن موسوعة الأدب والأدباء في المملكة العربية السعودية قال الربيع: لدى دارة الملك عبدالعزيز مشروع قاموس الأدب والأدباء في المملكة وكان لي شرف رئاسة اللجنة العلمية على هذا القاموس وشارك في إعداده أكثر من سبعين ما بين ناقد ومختص في الأدب. انطلقت الدارة في هذا المشروع من مشروع سابق حيث طلب من الدارة أن تساهم في قاموس الأدب العربي الذي أصدرته الجامعة الأمريكية في القاهرة وأشرف عليه الدكتور حمدي السكوت. وبناء على ذلك أرسلت مادة عن الأدب والأدباء في المملكة والجزيرة العربية ككل. رغم ذلك عندما صدر القاموس وجدنا أن ما ورد ذكره فيه كان يغطي 130 أديبًا فقط من المملكة. لذلك اتجهت الدارة إلى أن تصدر قاموسًا خاصًا ومستقلًا عن الأدب والأدباء في المملكة والحمد الله تم إعداده ويشتمل على نحو ألف مادة.