ما حلّ بأهالي جدة بعد كارثة السيول العام الماضي لم يكن متوقعاً البتة أن يحدث مرة أخرى، فتكرار المأساة بشكل أسوأ لم يؤد فقط إلى إحداث وفيات وتلفيات في الممتلكات وهدر للمال العام، وترويع الناس وإحساسهم بعدم الأمان وهم في بيوتهم لمجرد وجود سحب مطيرة في السماء، وإنّما يُعرّض جدة إلى كارثة صحية وبيئية كبرى،فقد حذر عدد من الأطباء والمسؤولين الصحيين من حدوث كارثة بيئية تؤدى إلى انتشار الأمراض في مدينة جدة نتيجة عدم التخلص من بقايا الامطار وما خلفته من آثار ضارة وسط الأحياء، خاصة ما يتعلق بالمياه الملوثة الراكدة إثر اختلاطها بمياه الصرف الصحي والغبار والنفايات، رغم مرور اكثر من أسبوعين على ذلك، فالمياه الملوثة والغبار وتعفّن النفايات يسبب أمراضاً معدية وخطيرة مثل الكوليرا ،أو السنمويللا والتيفوئيد وأمراض الجهاز الهضمي والتسمم الغذائي، وكما قال الدكتور إبراهيم عالم وكيل أمانة جدة السابق في حوار جريدة المدينة معه، وهو متخصص في الكيمياء «حتى الآن لا أعلم مبيداً حشرياً لا يسبب السرطان. ربما تظهر هذه الأمراض في الأطفال مستقبلاً وبعد عشر سنوات»، كما نبّه الدكتور إبراهيم إلى خطورة ما يجري بخصوص التخلّص من النفايات، مؤكداً أنّ التخلّص منها عبر الحرق يمثل خطراً كبيراً بما يسببه من تلوّث للبيئة يؤدي إلى أمراض السرطان، مشيرًا إلى أنّ العلاج الوحيد لها يكمن في مشروع تدوير النفايات، واعترف الدكتور إبراهيم عالم وكيل أمانة جدة الأسبق بخطئه في الموافقة على إحدى شركات التخلّص من النفايات بمدينة جدة، وقصورها في العمل بما أدّى إلى «أزمة النفايات». إنّ أمانة جدة في مقدمة المسؤولين عن هذه الكارثة وما ترتب عليها؛ إذ كان بإمكانها تلافي الكثير من الأخطاء، وفي مقدمتها حماية الأحياء السكنية المبنية على مجاري السيول من مخاطر السيول، فليس من المعقول أن يُكتفى بعمل سد ترابي، وخرسانة جاهزة في حي» أم الخير» المنكوب لتجنيبه خطر السيول، ويُقال إنّه حل مؤقت؟ فما هكذا تُعالج الأمور في الأزمات والكوارث؟ والسؤال لمَ لم يتم بناء سدود من خرسانة مسلحة في الأحياء المبنية على مجاري السيول، كما كان بالإمكان العمل على تحويل مجاري السيول عن الأحياء السكنية المبنية على مجاريها، والعمل ليل نهار من أجل إنجاز هذه الأعمال بأسرع وقت ممكن، ومد شبكات لتصريف مياه الأمطار والسيول والصرف الصحي في جميع أحياء جدة في آن واحد، والعمل في كل هذا على مدى ال 24 ساعة، ولا حجة لمن يدعي أنّ وزارة المالية لم تصرف المبالغ المطلوبة لإنجاز هذه المشاريع ،فخادم الحرميْن الشريفيْن الملك عبد الله أمر إثر كارثة العام الماضي باعتماد المبالغ اللازمة وتوفير الإمكانات والتعزيزات بشكل فوري لمدينة جدة، لكن الجدية للأسف مفتقدة لدى بعض المسؤولين عن معالجة الأزمة في جدة ،فالضمائر لازالت نائمة لم تستيقظ بعد، فليس من المعقول أنّ مدينة كبيرة كجدة، وتمثل العاصمة التجارية للمملكة لا توجد بها شبكة للصرف الصحي ،ولا شبكة لصرف مياه الأمطار إلاّ بنسبة 10% ،وهي قديمة وعرضة للتعطيل في أي وقت؟ وأمانة جدة لم تُحاسب الشركة المقاولة التي تولت تعبيد الطرق والأرصفة على ما أصابها من تلف، وعدم صمودها أمام مياه الأمطار، واكتفت بترقيعها ،فقد كشف مدير عام الطرق في أمانة جدة المهندس غسان الزهراني عن هدر 400 مليون ريال على ترقيع الحفر في شوارع جدة دون أن يتم معالجة أوضاعه، فأعمال الترقيع أرهقت ميزانية الدولة بهذه المبالغ على مدار أربع سنوات لم تحل دون تكرار الحفر بنفس الطريقة! وأتساءل هنا لمَ الترقيع؟ ولم لمْ تُلزم الشركة المنفذة لها أن تعيد تعبيدها من جديد بدون أن تدفع لها الدولة قرشاً واحداً ،لأنّها دفعت لها تكاليف التعبيد كاملة، وهي التي لم تلتزم بالمواصفات التي تم التعاقد عليها.؟ وتساؤل آخر يطرح نفسه ،وهو أين مجلس بلدي جدة بعد إطلاقه أسئلته العشرة النارية إثر كارثة العام الماضي؟ ولمَ سكت وصمت عما يشاهده من إهمال وتجاوزات وتقاعس ممّا أدى إلى تكرار الكارثة؟ ورأيناه يظهر مرة أخرى على مسرح الأحداث بقيامه بجولة عبر طائرة مروحية ليرى بأم عينه تداعيات سكوته ، ولا حجة له عن تخاذله وسلبيته بعدم توفر صلاحيات لديه تؤهله للقيام بدور إيجابي؛ إذ كان بإمكانه أن يوصل صوته ويكشف كل ما يراه من تجاوزات . وهناك تساؤل آخر يلح عليّ وهو لماذا غاب الدور الإغاثي للهلال الأحمر مكتفياً بدوره الإسعافي فقط؟ وأحب هنا أن أحيي شباب جدة الرائع العظيم بنين وبنات على الدور المشرف الذي قاموا به في الأعمال الإغاثية والتطوعية والخيرية. ان بوادر الكارثة ومقدماتها ماثلة أمامنا متمثلة في « أزمة النفايات ، ووجود بحيرة أخرى ممتلئة بمياه الصرف الصحي على غرار بحيرة « المسك»، وممّا يؤسف له حقاً أنّ اللامبالاة لايزال يتصف بها البعض ،فمياه الامطار الراكدة لا تزال في بعض شوارع وأزقة جدة، ولا قيمة لسحبها من الشوارع وسكبها في الحدائق العامة ،ممّا أدى إلى توالد البعوض فيها!! الآمال معقودة على اللجنة الوزارية التي يرأسها سمو الامير نايف بن عبد العزيز وتوصياتها الهامة التي اعلن عنها مؤخرا