لا يوجد من ينكر وجود الجن أو ينفي حقيقة السحر، لأن ذلك من الأمور البديهية التي أقرها الإسلام وتحدث عنها، ولكن هناك من يبالغ في الأمر ويتصور أن كل تصرف جديد يبدر من أحد تجاهه، أو أي عارض يعرض له عائد إلى السحر والجن، وأن هناك من “عمل له عملًا” وأن البعض يترصده ويقف له في كل صغيرة وكبيرة، وللأسف هناك وسط من يدعون أنهم على علم بهذه الأمور من يغذي هذه النزعة فيمن يتصورونها، فيبادرون إلى إيهامهم بأنهم ضحايا لمؤامرات وأعمال سفلية وسحر مربوط وعمل منفوث، طمعًا في الفوز بمكاسب مادية زائلة، دون النظر إلى ما قد يحيق بهؤلاء الضحايا من مخاطر ومشكلات نفسية واجتماعية، “الرسالة” توجهت صوب بعض النفسيين والعلماء وسألتهم عن هذه القضية فأفادوها بما تجدونه بين هذه السطور: النساء وفوبيا العين بداية يشدِّد المدرب والمتخصص في تطوير الذات د. عبدالرحمن الغرير على أن فوبيا المس والعين والسحر لها دوافع نفسية فقال: من وجهة نظري أن الخوف من المس والعين والسحر له دوافعه النفسية والاجتماعية، فكل شيء في هذا وجود له سبب، وكل فوبيا حتى وان خفي سببها إلا أن لها سببًا ظاهرًا كان أم خفيًا، وللدخول في صلب الموضوع بشكل مباشر، فالإنسان بطبيعته دائمًا يخاف ويخشى المجهول، وكلما كان هذا الشيء فيه غموض وخفاء كان أدعى لجذب انتباه الناس والاستيلاء على أذهانهم، هذا في الغالب طبعًا، فالحديث عن العين والسحر دائمًا يتلقاه الناس بذهول ومتابعة، لأنه يحرك فيهم الخيال وهو ليس له حدود أو قوانين، فيحدث ذلك غزارة في التفكير في عالم الغيب والمجهول، كذلك فإن النساء بطبيعتهن أكثر من الرجال في التعاطي مع المخاوف واستعدادهن للحديث عن أنفسهن بشكل عام وعما يعانينه، لذا فإنك تجدهن أكثر من يطلب الاستشارة أو الاتصال على من تأمل أن تجد عنده أذنًا صاغية، كذلك فإنهن بوجه عام يتميزن بالمثابرة والصبر في البحث هنا وهناك عن حلول للمشكلات التي تواجههن، لذا فإنهن دائمًا يظهرن كأكثرية في هذا الموضوع وهذا لا يعني أن بعض الرجال لا يعاني ولا يخاف من المس والعين والسحر، ولكن الرجل غالبًا ما يكون كتومًا ولا يفصح عن مخاوفه بسهولة. وأضاف الغرير: لهذا فإن فوبيا الخوف من المس والعين والسحر تعتمد على الثالوث التالي: العامل النفسي: ذلك أن فيه إخراج النفس من مسؤوليتها في الوصول إلى الحالة الراهنة التي يشتكي منها وعزوا ذلك إلى شيء مجهول غير محسوس، وهو بهذا لا يملك الشجاعة في مواجهة أخطائه ومشكلاته فيرميها على سبب خارجي خيالي وهو المس والعين والسحر، وهناك العامل الاجتماعي، حيث توجد ثقافة سائدة في مجتمعنا بأن أي شيء غير مألوف ولم يتم التعود عليه فهو سحر أو شعوذة لذا فإن هذا هو دائمًا الشماعة التي تعلق عليها معظم الأفكار الجديدة والإبداعية وكذلك يوصف بها المجددون والمصلحون. وهذا يعبر عن ضيق الأفق وعدم التمتع بذهن قوي ومتجرد يرى الأمور بواقعية ويدرس ويتمعن في الحقائق بشكل منفتح، والعامل الثالث هو ضعف العلم: وأعني به ضعف العلم بطبيعة الإنسان وحقيقة السحر والمس والعين، وقبل هذا كله عدم الإحاطة بما يحفظ من هذا كله وهو شرع الله والتحصن بالأوراد المأثورة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم وكذلك ضعف العلم بطبيعة عالم الجن ومحدودية وضعف قدراته. ضعف الإيمان وبدوره يؤكد المستشار النفسي الدكتور خالد الصغير أن السبب الرئيسي هو ضعف الإيمان فيقول: من وجهة نظري أن الدافع الرئيس هو ضعف الإيمان والبعد عن المنهج الرباني والسنة المحمدية مما يجعل الشخصية في تخبط واسع ليبدأ بقيادتها وتوجيهها الجهل مع روافد أخرى لا تقل أهمية كالتسرع في طلب العلاج والنتائج وقلة الصبر مع أهميته في كثير الأمور ولا يخفى عليكم ما يتخلل مجتمع النساء من النصائح والتوجيهات العشواء والتي قد تلامس مشاعرها وأحاسيسها لتتأثر بها وذلك بسبب عاطفتها وتصديقها لما هو مغلف بطابع الإيمان. واسترسل الصغير موضحًا أن للخوف من المس والسحر والعين دوافعه النفسية فقال: بالطبع له دوافعه النفسية والاجتماعية وذلك بسبب تراكمات داخلية قد تمت طيلة سنوات مضت من مكنونات نفسية ظهرت وانتشرت أخيرًا على السطح ساهم فيها المجتمع من خلال الجلسات العائلية أو مع الأقارب أو المدرسة والتي يتم فيها تناقل بعضٍ من القصص والتي في مجملها هي خرافية لا حقيقة لها وعدم التحقق منها قد يكون بعضها صحيحًا إلا أن من ينقلها يبالغ فيها وكل ناقل لها إما أن يحذف أو يزيد فيها وذلك للجذب له لم ينظر من زاوية أخرى مدى تأثير ما ينقل فيمن يستمع والذين يكونون في الغالب هم من الأعمار الصغيرة والتي تأخذ على حد فهمها كل كلام على أنه حقيقة دون خبرة تميز بها بين الحقيقة والخيال”. شماعة الفشل كما شدَّد عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبدالعزيز د. سعيد بن ناصر الغامدي أن فوبيا المس والسحر والعين ليست مختصة بالنساء فقال: “فهي ظاهرة منتشرة في الرجال والنساء على حدٍ سواء، وتتمحور القضية في نظري أن الناس تبحث عن أدوية وعلاجات لقضاياهم التي لا يجدون لها حلا فيلجئون إلى البحث عن أمور غيبية يظنون أن فيها علاجات لهم، ويكون هذا نوع من الإسقاط في علم النفس، وهو أن يسقط قضيته أو مشكلته على أمور غيبية، فالمرأة أو الرجل حينما يفشل في شيء من الحياة يلجأ إلى العين والمس والسحر ليفسر ويبرر ما فيه، كما أن هناك عنصرًا إضافيًا لدى النساء وهو الجانب العاطفي والضعف وبخاصة حينما يكون المجتمع مشيعًا لهذه القضايا فيصبح هناك مجال واسع لإيجاد حل وتفسير أو مبرر لبعض أنواع الفشل، وبخاصة أن المس والسحر والعين لها أصل شرعي لكن الخوف منها يوقع فيها والذي يجعل هذا الأمر ينتشر هو ما يمارسه بعض الرقاة من تشخيص للحالة فإذا كان المريض عنده مرض نفسي أو مشكلة معينة فالراقي يضع التشخيص لهذه القضية فيدخل المريض في دوامة وهذا التشخيص من أسوأ ما يمارس في التفسير الغيبي المبالغ فيه”. واسترسل الغامدي مبينًا عدة حلول لأزمة الفوبيا فقال: “من الحلول أن يكون لدى الناس وعي ومعرفة ما بين الأحوال النفسية والأمراض العضوية وأن يذهب المريض للمشفى والمختصين والمستشارين في العلوم النفسية، وأن ينزع وهم أن من ذهب إلى طبيب نفسي يعاب في ذلك، إلى غير ذلك من الأوهام الاجتماعية الشائعة، الأمر الثاني أن من يظن أن لديه مشكلة كالعين والسحر والمس فيرقي نفسه بنفسه فليست الرقية ماركة مسجلة لأحد أو أن رقيته وتلاوته ونفثات ريقه أصبحت ترياقًا لعلاج هذه الحالات بل الإنسان يسعى لأن يرقي نفسه بنفسه”.