عن مشروع “كلمة” للترجمة التابع لهيئة أبوظبي للثقافة والتراث ترجمة رواية جديدة بعنوان “الحمراء”، للكاتبة الألمانية كيْرستِن بويه، الحائزة على الجائزة الاستثنائية وقام بترجمتها إلى اللغة العربية دكتور صاموئيل عبّود. تدور أحداث الرواية حول الأشهر القليلة الأولى التي تلت احتلال الملوك الإسبان لغرناطة وإطباق حكمهم على البلاد بعد استقرارهم في قصر “الحمراء” الذي يمثل أحد أهم الرموز الحضارية المتألقة التي خلَّفها العرب وراءهم في إسبانيا، بل إنه يعتبر أيضًا أحد أهم المعالم السياحية في اسبانيا، مع ما يحتويه من عمارة إسلامية ظاهرة كاستخدام العناصر الزخرفية الرقيقة في تنظيمات هندسية كزخارف السجاد، وكتابة الآيات القرآنية والأدعية، بل حتى بعض المدائح والأوصاف من نظم الشعراء. تعتمد الكاتبة في عملها قالبًا روائيًا فريدًا باللجوء إلى حيلة أدبية من خلال توظيف أسطورة “السفر عبر الزمن” وذلك بهدف تقديم سرد تاريخي لمجريات تلك الحقبة، إذ ينتقل فيها البطل “بوسطن” الذي كان يزور غرناطة مع رفاق صفه من الزمن الحاضر إلى زمن سقوط غرناطة عام 1492، وإلى الحقبة نفسها التي تم فيها اكتشاف أمريكا، ويحدث ذلك إثر لمسه قطعة خزف منزوعة من جدار في قصر الحمراء تحمل كتابة عربية، وهنا تنقلنا الكاتبة من خلال حوارات أبطالها وعلى نحو غير مباشر، إلى أجواء تلك الأيام وإلى المقارنة بالتالي بين عهدين، وإلى استذكار جملة من الوقائع التاريخية، أو لنكتشف في سياق الرواية ما كانت قد أهملته بعض كتب التاريخ، من أن الناس الذين تنازل أميرهم عن حكمه وعن مملكته وعن مدينته وعن الحمراء من دون قتال، سعيًا وراء السلامة أو تحججًا بعدم تدمير ما تم تشييده من حضارة عمرانية، وكيف أنهم قاوموا ومارسوا العصيان من خلال جمعهم المال من أجل شراء السلاح، متأملين عودة أميرهم إلى صفوفهم. كما تحفل الرواية بالكثير من الوقائع والأحداث الجانبية وبعض تفاصيل تاريخ ذلك العهد، محبوكة ضمن سرد روائي شيق، وضمن قراءة تاريخية منصفة إلى حد كبير، مشيرة إلى أن قصر الحمراء دليل واضح على عظمة عرب الأندلس ورقيهم الحضاري ونهضتهم العمرانية والفنية والهندسية آنذاك. وتقول الكاتبة الألمانية بصدد رؤيتها لتلك الأحداث، في الكلمة الختامية لروايتها، بأنها قامت قبل الكتابة، بقراءات لا حصر لها حول المغاربيين في إسبانيا، وحول ما سماه الإسبان بالاسترداد (أي حول ما يعرف بإعادة استرجاعهم للمقاطعات المغاربية)، وحول محاكم التفتيش، وعن كولومبوس وحول اكتشافه لأمريكا، وبأنها حاولت قدر المستطاع بناء على ذلك، المحافظة على سرد الحقائق، فالدولة التي دامت ما يزيد على 700 سنة في إسبانيا. ولدت الكاتبة كيْرستِن بويه عام 1950 في مدينة هامبورغ الألمانية، ولها روايات عديدة أخرى كان آخرها هذه الرواية التي صدرت في عام 2007. وقد منحت في العام ذاته، الجائزة الخاصة بالأدب الألماني للشباب تقديرًا لأعمالها الكاملة حتى الآن.