لم يعد مفهوم الإسراف والتبذير مقتصرًا فقط على الكبار، بل طال الصغار أيضًا. وهذا ما أصبحت تعانيه بعض الأمهات من ملاحظتهن صرف الأبناء كل مصروفهم والمطالبة بالزيادة، لتتعالى صرخات الأمهات مطالبات بإيجاد طريقة لغرس ثقافة الترشيد الاستهلاكي لدى الأبناء، وهو ما نحاول أن نقدمه هنا من خلال ذوي الاختصاص. إسراف الأبناء تقول أم لمار الطيب: أعطي لابنتي والتي تدرس بالصف الخامس الابتدائي 7ريالات كمصروف يومي، لكنها تطالبني بزيادتها إلى 10 ريالات بحجة أن زميلاتها يأخذن أكثر منها، وعندما سألتها ماذا تشترين بمصروفك أجابت اشتري الحلوى وبعض العصائر، حينها رفضت طلب زيادتها في المصروف. وترى أم شهد العوفي أن ابنتها البالغة من العمر12 عامًا أصبحت تطلب الخروج لشراء بعض المستلزمات الخاصة بها كالإكسسوارات لتصل فاتورتها إلى 300 ريال داخل محل واحد، وعندما نرفض شراء بعض طلباتها تتهمنا أننا لا نحبها وأننا نبخل عليها لندخل في صراع معها، محاولين إفهامها أن ما تقوم به يسمى تبذير، في حين أن أطفالًا في عمرها لا يستطعون شراء نصف ما تشتريه. بينما لاحظت أم ريفال الطويرقي تغيرًا في سلوك ابنتها البالغة التاسعة من عمرها، حيث تميل إلى شراء أشياء لا تحتاجها، بل من باب الاقتناء والتقليد للكبار. فتقول: أخذت أتحدث معها أنه لا يجوز الصرف الكثير للمال، بل لابد أن تدخري شيئًا من مصروفك، فأجدها تقتنع لفترة وتعود بعد ذلك إلى سابق عهدها ،ولم أجد طريقة غير إنني اذهب للتسوق دون إخبارها. وتتساءل أم رغد الحربي عن كيفية تدريب أبنائها على عدم التبذير والقناعة بمصروفهم المدرسي دون الحاجة إلى طلب زيادة لا داعي لها. تنظيم الاستهلاك ومن جانبه أوضح الدكتور زيد الرماني المستشار الاقتصادي وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود أن نمط الاستهلاك لدى الفرد يدل على مدى وعيه بأهداف الدولة وسياستها الاقتصادية، كما يتوقف على نوعية المعلومات والعادات والاتجاهات المتأصلة لديه منذ الصغر، وذلك بالممارسة اليومية. ولا شك أن التطبيع الاجتماعي للطفل له أثره في تحديد أنماط سلوكه وتوجيه سلوكه التوجيه السليم أمرًا ضروريًا حتى تمكنه أن يشارك بنصيب من الجهد والعمل في تنظيم الاستهلاك والتربية السليمة، مما يتطلب إكساب الطفل الحقائق والقيم ومهارات واتجاهات معينة منها الاتجاه نحو ترشيد الاستهلاك. وحيث أن كثيرًا من المعلومات والبيانات المتعلقة بترشيد الاستهلاك وتوجيه المستهلك وتكوين الاتجاهات السليمة لديه ليست فطرية وإنما هي مكتسبة. فلا بد إذن من دراستها وممارستها وربطها بجوانب الحياة اليومية ومتطلباتها الأساسية. وأشار إلى أن وجود القدوة السليمة وخاصة في فترة الطفولة سيساعد على سرعة التعلم وغرس العادات والقيم نحو الاستهلاك والتركيز على المفاهيم الخاصة بترشيد الاستهلاك، كما أن توفر الفرصة المناسبة للطفل منذ الصغر للمشاركة في عمليات الاختيار والشراء تنمي فيه القدرة على حسن الاختيار مع تعويد الطفل على الاقتصاد والتوفير في كل نواحي الحياة الاستهلاكية. خاصة وأن الطفل فرد من أسرة مستهلكة للغذاء والملابس والمصروف. تدريب الطفل ويقول الدكتور الرماني أنه في ظل تأثر العديد من الأسر بالتلفزيون والإعلانات في أنماط الاستهلاك. وكثيرًا تؤثر الدعايات على أنماط الاستهلاك، وتزيد من الشراء العشوائي مما يؤدي إلى الهوس والتسوق لدى النساء. وأشارت العديد من الدراسات والأبحاث إلى دور الإعلانات التليفزيونية في تفضيل لعبة أو منتج غذائي ما، كما يلاحظ أن تفضيل الطفل للإعلان ناتج عن جاذبية الإعلان نفسه. لهذا من الحكمة تدريب الطفل في سن مبكرة من حياته على استعمال النقود، ومن الأفضل أن يأخذ الطفل قرار الشراء حسب النقود التي معه، وينبغي مراعاة أن تكون المبالغ المعطاة للطفل مناسبة لسنه كالمصروف المدرسي، فلا يجب المبالغة في إعطاء المصروف ولا التقطير على الطفل كي لا يشعر بالنقص، مما يجعله يمد يده على أشياء أصدقائه لتنشأ مشكلة أخرى. كما قدّم الدكتور الرماني بعض النصائح للأسر داعيًا إلى تطبيقها، كتشجيع الأسرة للطفل على البدء في ممارسة عملية الشراء عن طريق اختيار شيء معين ليقوم بدفع ثمنه، وكإتاحة الفرصة لشراء أشيائه الخاصة من الملابس والألعاب، حتى يدرك أن السلع المختلفة لها أسعار مختلفة، مع إعطاء قدر من الحرية في اختيار المحل الذي يريد الشراء منه. مع بعض التوجيه غير المباشر، حتى يشعر الطفل بالارتياح والاعتماد على النفس والاستقلال والرضا لتنمية قوة الشخصية لديه.