قد يخضع العقار والتثمين العقاري في الكثير من المناطق والبلدان لمعايير ونسب علمية مدروسة تعطي قيمة هذا العقار التقريبية، ولكن العقار في مكةالمكرمة يختلف عنه في أي مكان في العالم لأن مكةالمكرمة بها الحرم المكي الشريف ويخضع سعر متر العقار فيها بحسب القرب والبعد للحرم، إضافة إلى معايير أخرى تترتب بحسب الأولوية والاهمية. ولعل المشروعات التي تشهدها مكةالمكرمة ألقت الضوء مجددًا على الاستثمار العقاري، الذي أضحى اليوم لا يخضع لمعايير مدروسة أو معايير علمية بل هي معايير السوق والعرض والطلب، الامر الذي أبرز موجة عدم رضى تظهر بين الحين والآخر عن حالات التقدير والتثمين للعقارات المنزوعة ضمن مشروعات التنمية التي تعيشها مكةالمكرمة. كما أن معايير التثمين تختلف من موقع لآخر ومن مكان لآخر هذا بحسب رأي من تم تقديم التقدير والتعويض لهم. في المقابل يؤكد المثمنون والمختصون أن حالات التقدير إنما روعي فيها اولا واخيرا رضى الله ثم التثمين الذي يصب في مصلحة المواطن. وفي النهاية فإن القول بان ارضاء الناس غاية لا تدرك تجسد تماما في عمليات التقدير التي سجلتها اللجان المعنية بأمور التثمين والتقدير للعقار. وما بين شد وجذب وتقدير يراه البعض انه غير منطقي وبين البعض الذي يعتبر أن التثمين العقاري مهنة من لا مهنة له تفتح المدينة ملف التثمين العقاري وتتناول أهل الاختصاص عن معايير التثمين العقاري في مكةالمكرمة وعن ادبيات التقدير لقيمة العقار. * التعويضات لا تكفي في البداية يقول محمد الزهراني أحد السكان الذين ذهبت عقاراتهم ضمن مشروع الطريق الموازي: نحن مع التطوير ونؤيد الجهود التي تقوم بها الدولة -رعاها الله- لأن مكة -حماها الله- قبلة العالم الاسلامي، ولكن المشكلة لبعضنا بل أكثرنا صغر مساحات العقارات وقلة التعويضات التي لا تكفي لشراء منزل بديل. أما المواطن يحيى الزهرانى فقال: أملك منزلا شعبيا بمساحة صغيرة جدًا واستلمت تعويضًا بقيمة ثلاثمائة ألف ريال وهو دين علي وقمت بالسداد وعدت للإيجار مرة اخرى خاصة أن مبلغ التعويض لا يمكنني به أن أشتري أرضا في ضواحي مكة وليس في داخل نطاق مكةالمكرمة. فيما يقول علي عسيري إن التعويض لا يمكن أن اشترى به ارضًا بمساحة مئتي متر في ظل الارتفاع غير المبرر وغير المنطقي للاسعار. * ارتفاع غير منطقي يقول نائب شيخ طائفة دلالي العقار بمكةالمكرمة هشام بغدادي: في السابق كان العقار والتثمين مهنة من لا مهنة له. أما الآن فالعقار اصبح مهنة الكل، حيث دلف إلى هذا الميدان من لا يفقه في معنى العقار بل هو رأس مال يدور في فلك البنوك، فأراد ذاك الموظف او غيره ان يحرك ماله ليتجه للعقار وبعد اسبوعين اصبح العقاري فلان والمثمن علان..! وأضاف البغدادي أن الارتفاع الشديد لا يوجد ما يبرره فمثلا في العام الماضي بعد الحج تحديدا كان الاقبال بشكل أكبر وكان فورة عقارية في العام الماضي بعد الحج، أما في هذا العام فقد قل وانتهت عملية الفورة التي كان عليها العقار العام الماضي خاصة ارتفاع مناطق العزيزية والحرم فالآن لا يوجد بيع كما هو الحال. وأعتقد من أخطاء العقاريين هو دخول عدد من غير المختصين في العقار خاصة من شريحة المعلمين ودخول رأس مال من خارج مكة للعقار المكي. الأمر الذي ساهم في ارتفاع العقارات بشكل كبير، وكما نعلم أن العقار ارتفع في مكة والرياض والمدينة والدمام، وفي مكة نجد الارتفاع يتسيد الارتفاعات كلها فقد كان الربح مثلًا من قيمة الأرض والعقار الدخل السنوي من 6 إلى 7% من القيمة الإجمالية، ولكن مع ارتفاع العقار المكي انخفضت النسبة إلى 4% تقريبا. فمثلا عقار ربحه 5% فى العام فكم سنة تحتاج لكي ترد قيمة العقار الاجمالية خاصة ان الزيادة لم نجد لها ما يبررها، ولك ان تتصور في أحد الاحياء المكية وصل سعر العقار فيه للمتر الواحد 2500 ريال، وهذا على شارع غير تجاري، إضافة الى بعدها عن الحرم وهو ارتفاع غير منطقي البتة، الأمر الذي فتح في العقار سوقا سوداء واستدل بذلك في مخطط ولي العهد بمكة هذا المخطط بلا خدمات وبدون أي مظهر من مظاهر المخططات النموذجية ولهذا تجد ارتفاعات غير مبررة وكل ما في الامر أن هناك اناسا وتجارا يبيعون على بعضهم البعض ويحركون فلوسهم وقليل من تجد انه يريد ان يبني ويسكن لانه لا خدمات تذكر. واذا ما نظرت الى مخطط النسيم والعوالي تجد ان النيسم انتعش وتحرك وأصبح من500 ريال للمتر الواحد ليصل الان الى 3500 ريال للداخلي ويوجد فيه حركة نشطة لان في هذا المخطط تعدد الادوار التي تصل لأربعة ادوار. والعوالي اصبح الداخلي فيه بقيمة 1800 ريال واعتقد ان هناك سوقا سوداء وأيادي تتحكم في سوق العقار. وقال: قبل ثلاث سنوات كنت من ضمن المقدرين لحي الزهارين بمكة وقدرناه آنذاك بألفي ريال للمتر بحسب المكان والموقع والشوارع وسعتها ووصلنا إلى 2200 ريال، ومع هذا الناس قالوا ظلمنا في التقدير، على الرغم من أنه وقتها كان سعر الشوقية فيه المتر ب 600 ريال أي ان من تم التعويض له يبيع ب 2000 للمتر وممكن أن يجد في مخطط نموذجي ب 600 ريال للمتر هذا قبل سنتين، ولكن تقاعس الناس وارتفع سعر الشوقية اكثر فاكبر وتجاوز السعر اكثر بكثير فاصبح من باع بالفين يحتاج الى مبلغ اضافي ليشتري في موقع الشوقية والسبب هو الارتفاع غير المبرر. وفي جبل غراب مثلا في رأس الجبل قدر للبعض ب 2000 ريال للمتر وهي بيوت شعبية وقديمة، مع ذلك لم يرض الناس بالتقدير خاصة أن الدولة راعت ذلك في أن البيوت قديمة وشعبية مساحاتها صغيرة وزادت القيمة، إضافة إلى أن هناك نظامًا للدولة رعاها الله تصب في التثمين العقاري لصالح المواطن واللجنة إذا قدرت المشروع ومضى على التقدير سنتان يعاد التقدير بحسب النظام. * الحل فى الميسر ويرى المستثمر العقاري ورجل الأعمال يحيى الزايدي أن العقار في مكة مرتفع لأن العقار يحتاج إلى تخطيط والمنطقة جبلية بطبيعتها ولكن الحل يتمثل في هذه المشروعات الحيوية مثل الإسكان الميسر والتي ستكون منخفضة وفي صالح المواطن والاستثمار فيها جيد وسيحل نسبيا من المشكلة ولهذا سيكون الطلب متزايدًا لإنتاج وحدات سكنية على نفس الإطار، خاصة أن الناس في تزايد وفي احتياج متزايد على الوحدات العقارية. ويشير إلى أن الاسكان الميسر يعد نقلة نوعية في عملية التطوير العمراني ويعطي دفعة لكل مطور يملك أرضا أو مخططا أن يتجه لهذا التجاه الصحيح. وأضاف الزايدي ان تأهيل مثل هذه الوحدات سيسهم نسبيا في حل المشكلة في تغطية النقص الحاصل في لإسكان وإعداد الأحياء السكنية للمواطنين وتأهيل المناطق بنماذج إسكانية بطرق وخدمات تدعم مثل هذه المشروعات. ويقول عضو اللجنة العقارية بغرفة مكة أسامة فرغلي: إن معايير التثمين العقاري يعتمد على المبنى والتشطيب والمداخل وما الى ذلك إضافة الى سعر الارض ومساحتها وهل تتسع لشقتين أم أكثر وكل شقة غرفتين أو اكثر وهل هي على شارع 15 او شارع 20 مترا او اكثر وهنا تدخل العملية الحسابية في تثمين العقار غير المنضبط اصلا. بل ان التقدير لدى البعض يخضع للأهواء والمزاج والتقريب غير المنطقي فمثلًا أحدهم قدر عقار المتر فيه بأكثر من خمسين ألف ريال بسبب أنه قريب من موقع استثماري حينها قلنا له أعطيك عقارا على ثلاث واجهات وأفضل من عقارك وبثلاثين الفا. المقصد هنا ان الناس تعتقد ان العقار يقدر ويثمن عشوائيا والكل يزيد كيفما يريد. في حين أن هناك معايير مثل تعدد الأدوار فمثلا جهة يكون فيها التعدد للأدوار أكثر من عشرة أدوار وسعر المتر فيها ثلاثة آلاف ريال وتجاورها أراضٍ يصل سعر المتر فيها لأقل من ألف ريال. والسبب أن في الاول التعدد فيه عشرة ادوار والدخل عالٍ في حين التقدير الثاني تعدد الأدوار فيه أربعة ادوار فقط وهنا يصنع الفرق في العقار وهذه المعلومة لا يعرفها إلا أهل الاختصاص ويظن البعض انه اذا جاور عقارا متره بأربعة آلاف لا بد من أن يكون العقار المجاور بنفس السعر وهذا خطأ. وإذا ما نظرنا الى بعض الأحياء مثل العزيزية وتعدد الأدوار فيها يصل لعشرين دورا مثلا، وهي ارتفاعات جيدة ومغرية بعكس بعض الأحياء التي يقل التعدد فيه وفي النزهة مثلا الآن اعطوهم 18 دورا ويصل سعر المتر فيه الى خمسة عشر الف ريال وهي زيادة منطقية مقارنة بالدخل إضافة إلى حي آخر مثلا حي الزهارين، فالتقدير فيه يصل لألفي ريال ويطالب البعض بخمسة آلاف للمتر وهو أمر صعب. صحيح أن الحي عشوائي ولكن من الممكن دخول مطورين يسهمون في انتعاش العقار فيه ليصبح هناك سعر جديد وليس تثمينًا آني وحالي وإذا ما أدرنا المؤشر إلى مخطط ولي العهد فأعتقد أن هناك دخلاء يديرون رؤوس أموالهم، فيما بينهم ولكن من أراد أن يسكن لا يذهب إلى هناك والسبب أنه إلى الآن لا يوجد خدمات ويعتمد المستثمرون هناك إلى تمرير الإشاعات الوهمية أن الكهرباء ستدخل بعد أشهر وهكذا يمررون الأشهر ثم السنون والضحية المواطن البسيط الذي ينجرف على الإشاعات. ويحذر عضو مجلس إدارة الغرفة التجاري الصناعية بمكة رجل الأعمال سعود الصاعدي: من أن الارتفاعات التي تشهدها مكةالمكرمة في العقار تجعل الحليم في حيرة من أمره خاصة أن الزيادة لا تخضع لأي معيار ألبتة، مما قد تكون فورة العقار هذه يعقبها هبوط حاد في الأسعار كما حدث في الأسهم وقلة من الناس تخطو باتجاه العقار وترفع الاسعار دون دراية أو دراسة فالعقار السكني غير التجاري ويزداد العقار بحسب تعدد الادوار وهل العقار في منطقة فنادق وخدمات أم لا؟ فمثلا ربوة مكة وصل سعر المتر فيها لأكثر من أربعة الاف ريال إلى خمسة الاف ريال وهو ارتفاع ليس له ما يبرره وهذه الزيادة لها أسباب منها ما هو معلوم وأكثره غير معلوم ومن الأمور التي اسهمت في الارتفاع هو دخول رأس مال من خارج مكة لرجال اعمال ومستثمرين اتجهوا للعقار في مكةالمكرمة وساهم في الارتفاعات من خلال سماعهم أن العقار في مكة مستقبله آمن من منطلق ثبات السعر من ثبات المكان أي أن ثبات المكان يتمثل في ثبات الحرم المكي الشريف ويسهم فيه البعد والقرب... وهنا يجعل رأس المال يستقطب من خارج مكة... بل إن الأمر في الارتفاع محير حتى للمثمنين العقاريين أنفسهم والزيادة مستمرة دون اسباب منطقية.