في العالم العربي غارقون كثيرون، لأن أسباب الغرق تفتح أفواهها وتستقبل زائريها وتتيح الفرصة لغريق جديد كل حين. الغارقون في الماء: يخرجون من مدارسهم ومنازلهم ومكاتبهم وأسواقهم وليس أكثر من أن تنتشر الغيوم وتمطر السماء فإذا الشوارع والمنازل والمدارس والأسواق بحار تبتلعهم وأنهار تجرفهم، وحين يغيض الماء يبدأ المسؤولون يتنافسون في نشر الوعود بمستقبل مشرق لا يغرق ولا يهدم، ويستعرضون بطولاتهم وإنجازاتهم. الغارقون في الثراء: هؤلاء لا يخرجون ولا يعملون ولا يتعبون، لأن هناك من يعمل لهم ونيابة عنهم ويتعب من أجلهم ولكنهم يحسنون الدخول حيث شاؤوا متى شاؤوا وكيف شاؤوا، ويدخلون في حساباتهم ما كان ينبغي أن يصرف في حماية غيرهم من الغرق في الماء، أو من العبور في نفق آمن أو الالتحاق بمدرسة لائقة أو الارتماء تحت وطأة المرض في أي ممر بأي مستشفى. الغارقون في الغلاء: والغلاء منه فاحش ومنه غير فاحش لكنه للأكثرية واحد، لأنهم لا يجدون ما يواجهون به متطلبات الحياة التي تحاصرهم في السكن واللباس والطعام والشراب والدراسة والتنقلات إلى جانب المفاجآت التي أصبحت من سمات التكيف مع نمط الحياة في دخل أقل من المحدود. الغارقون في الدماء: هم الذين أرادوا أن يجعلوا لأوطانهم قيمة ولحياتهم معنى ولمستقبلهم غداً أجمل ولأجيالهم القادمة اعتباراً ولمقامهم بين شعوب الأرض قدراً من الاحترام، ففاجأهم من أعمتهم السنون الطوال عن حركة التاريخ القديم والحديث فظنوا أن هؤلاء معتدون على الحق الإلهي فلم يترددوا في هدر دمائهم وإزهاق أرواحهم، لأنهم يجهلون رسالة السماء !! . ما أكثر الغارقين وما أخطر الفساد الذي يفتح للناس أبواب الغرق، وحين تمتد يد الإنقاذ لانتشالهم لا يتردد في الاعتداء عليها لأنه يرى في ذلك نهايته.