أذكر جيدًا أنّني كتبتُ في هذه الزّاوية مقالاً بعنوان “الفاشلون.. دسائس ومكائد”، قلت فيه: “إنَّ أعداءَ النّجاح هم بالكثرة التي لا تحصيها أعين ذوي الفطّنة والكياسة. ودسائس الحاقدين ومكايدهم ليس لها حد في عرف العقلاء وأولي الألباب. فقديمًا كان للنجاح أعداء، وللناجحين حَسَدة، وعلى قدر ما تقدّم من نجاحات يكون النّقد الموجّه إليك؛ فالذين لا يُحسدون هم الفاشلون! ومَن أراد النّجاح فليكن أهلاً للنّقد، وأهلاً للمثبّطين، وأهلاً لكثرة المغرضين؛ لأن الفاشلين مع تنوّع أحابيلهم، لا يضرون في النهاية إلاَّ أنفسهم”. وعطفًا على ذات المقال أرى في الأفق صوتًا وحيدًا عاش على فكر تقليد؛ عبثًا يحاول إسقاط مجهودات مَن صنع مِن الجامعة الإسلامية منارة تستحثّ الخطى نحو مسايرة الرّوح العصريّة جامعًا ما بين المعاصرة من جهة، والروح الإسلاميّة الخالدة من جهة أخرى. إنّ شهادات النّجاح لا تحتاج إلى مَن يعبّر عنها؛ فواقع الحال خير من ألف شهادة تعلّق في جدار الزمن حتّى تكتهل، والنّجاحات المتلاحقة التي تقوم بها الجامعة الإسلاميّة لا تحتاج إلى صنو تلك الشهادات بالقدر الذي يشهد به الواقع حينما ينطق بالحِراك الدّينيّ والفكريّ والثّقافيّ في أروقة جامعة استعصت عن المعرفة بين أبناء هذا الوطن حتّى أخرجها مديرها معالي الدكتور محمد العقلا من عقالها؛ فأصبحت في وقت قياسي منارة وطنيّة يعرفها القاصي والدّاني، ولعل آخر تلك الشهادات الشّاخصة عن علو كعبها؛ والموافقة الكريمة من لدن خادم الحرمين الشريفين -عافاه الله وشافاه- بعقد المؤتمر الثاني لمكافحة الإرهاب تحت عنوان “مراجعات فكريّة وحلول عمليّة”. وإذا كانت الجامعة الإسلاميّة في سنواتها الأخيرة استطاعت الانفكاك من الخط التّقليدي والمضي نحو باحات أوسع؛ تعاطيًا مع كلّ شأن وطنيّ أو شأن إسلاميّ؛ فلا تثريب عليّ أن أضرب بالمثال الحي الحامل في طياته دلالات تنبئ عن الخط الذي يسير عليه مديرها، ممّا لا يعرفه إلاّ طلاب تلك الجامعة الذين يحملون كلّ الجنسيات أنّ هاتف مديرها المحمول يعرفه الجميع بلا استثناء، فهو حاضر في أروقتها، وبين طلابها، وفي مساكنهم؛ فلا حواجب ولا أستار؛ فصوت الطّالب مقدّم عن كلّ صوت بعيدًا عن الصّوت البيروقراطيّ المعهود عند الكثيرين ممّن يعتلون مؤسساتنا التّعليمة والحكوميّة. يقسم لي أحدهم ممّن أثق بقوله أنّ الرجل يجد متعة في الاستماع إلى شكاية طالب، والإسراع في حلها، فلا شيء ألذّ إلى قلبه من التفاف طلابه وهم يبثون إليه كلّ ما يعتورهم حتّى في أخص خصائصهم خاصة من أبناء العالم الإسلامي ممّن يعاني الغربة وشقة البعد!. فأيّ نَفَسٍ هذا الذي يحمله العقلا في داخله..!! وأي قلب هذا الذي يكتنزه جسد هذا الرجل..!! وقصر القول إنّ الرجل الناجح لا يكترث قليلاً أو كثيرًا بما يصدر من الفاشل من قول أو فعل، إلاَّ بالقدر الذي يدفعه إلى مزيدٍ من التفوّق والنجاح، شاقًا طريقه إلى الغاية التي يرتئيها في صالح العباد والبلاد. سأنقل لكم ما حكاه “ديل كارنيجي”، إذ يقول: “كثيرٌ من الناس يجدون في اتّهام شخص يفوقهم ثقافة أو مكانة أو نجاحًا، مثال ذلك أننَّي تسلّمت رسالةً من سيدة تصبّ جام غضبها على جنرال وليم بوث مؤسس جيش الإخلاص، ذاكرة بعض التهم الكاذبة”. والحق -والحديث لا يزال ل"ديل كارنيجي- “أنَّ التّهمة سخيفة، وهذه المرأة ما كانت تستهدف الواقع؛ وإنَّما كانت تبغي النّيل من رجل عظيم، رجل أرفع منها بمراحل، وقد ألقيت برسالتها في سلة المهملات، وحمدت الله على أنَّي لست زوج هذه المرأة. فإن الرسالة لم تزدني علمًا بالجنرال “بوث” كما تبغي كاتبتها؛ وإنَّما زادتني علمًا بالكاتبة نفسها!!