عام كامل، اثنا عشر شهرًا، ثلاثمائة وخمسة وستون يومًا، وما تعادل من الدقائق والثواني، رقم كبير، مدة طويلة جدًا، 6 صفر 1431ه، ذلك هو تاريخ وفاة شقيقتي الشابة الدكتورة سوزان محمد بترجي أستاذة الكيمياء في جامعة الملك عبدالعزيز عن عمر لا يتجاوز الخمسين عامًا بعد أن داهم «فيروس» مستوطن المستشفى التخصصي بجدة جهازها التنفسي مستغلًا لحظات الابتهاج بشفائها واستعدادها لمغادرة المستشفى، قدر الله وما شاء فعل، فالنفس أمانة استودعها الله عند خلقه يستردها متى وكيف يشاء، ذلك الموقف وتلك الأحداث جعلتني أكتب لأول مرة في ذلك الحين مقالًا خططته بالألم والدمع خلافًا لما تعودت عبر سنوات مضت، واكتشفت حينها كيف يمكن أن يكون للمقال نبض، بينما يُكتب عمن توقف نبضه، أن يكون حيًا بالرغم من وفاة شخصيته، كيف يعتصر ألمًا على فراقِ بطله، رثائي قبل عام كان بعنوان «لن ننساكِ يا سوزان» كلماتي اليوم المبعثرة بنبرة أعمق حزنًا وأكثر حرقة وكأن لسان حالها يقول معبرًا عما بداخلي «اشتقنا لكِ» اشتقنا لرؤيتك، لسماع صوتك، لحبك وحنانك، لمزحك وجدك، اشتقنا لكل شيء فيك، اشتقنا لكل شيء من خلالك، فأنت أعيننا التي كنا نبصر بها وأذننا التي كنا نسمع بها بل أنتِ قلبنا النابض والذي بموته مات الجسد وغابت الروح وفُقد الإحساس، لم تعد حياتنا بعدك كما كانت، أين بهجتها جمالها ألوانها، لم يبق شيء، اختفى كل شيء، لم نعد نستطعم أو نتذوق أي شيء، نتزود فقط لكي نبقى على قيد الحياة فندعو لكِ بالرحمة، نبتسم من خارج قلوبنا لنرسم بها السعادة على وجوه آخرين فيدعون لكِ معنا، حتى دموعنا كأنها جفت إلا عليكِ فلم تتساقط على أحد بعدك، عام مضى رُكبّت فوق أعمارنا أعمارًا بعشرات السنين وحُمّل على أوزارنا همومًا لا قبل لنا بها، أقسم لكِ بأننا لم ننسك لحظة مع إننا تمنينا ذلك لمواصلة الحياة، صورتك في خيالنا تلازمنا أين ما كنا وما حللنا لا تفارقنا مهما حاولنا فراقها، كنتِ شمعة فاحترقتِ لتتركي لنا بصيص ضوء في نفقٍ لا نعلم كيف وأين بدايته فاحترقنا قبل أن نصل إلى سراديب نهايته، لا أعلم ماذا أقول لكِ يا سوزان، يا أختي وشقيقتي وحبيبتي وتوأم روحي وأقرب الناس لي، هل نترحم عليكِ أم نترحم على أنفسنا، فنحن أموات بدونك وأنت بإذن الله من الأحياء عند ربهم يرزقون، هل أنتِ من استعجل في الرحيل أم نحن من تأخر في المسير، لا أخفي عليكِ فقد تمنيت لحظة وفاتك اللحاق بكِ فلم يعد لي مكانٌ هنا لكن ما لبثت أن تراجعت بعد لحظة ليس والله حبًا في الحياة أو شغفًا لها وإنما شفقة ورحمةً على والديكِ اللذين أنهكهما الحزن على فراقكِ وأعياهما التعب من بُعدك وغيابك، فكنت ولا تزالين بيننا وفي قلبيهما فلا يمكن لأحد أن يشغل مكانكِ أو أن يعتلي إلى مكانتك، أستغفرك ربي وأتوب إليك. كل شيء هالك إلاّ وجهك، سبحانك ربي ما أعظمك، سبحانك ربي ما أكرمك. [email protected]