تكريم الإبداع الثقافي في قيمة الأثر وشخصية المؤثّر من اهتمامات نادي مكة الثقافي الأدبي في خطته الاستراتيجية المستقبلية التي أعلنها منذ تشكيل إدارته قبل خمس سنوات. واتجه التكريم إلى من أحدث أثراً في الإبداع الثقافي المطبوع بطابع مكة المكان الجغرافي والمكانة المقدسة والأثر المنتمي إلى قيم حضارة الوسطية، ولا أقصد هنا الوسطية بين طرفين بل أعني وسطية الاعتدال من حيث المفهوم الوظيفي للاعتدال. لذلك كان من يحمل هم الكلمة الطيبة منتميًا إلى العدول من أعلام هذه الأمة و أحسب أن الأستاذ حامد دمنهوري من أولئك العدول في مشروعاتهم الإصلاحية التي اتخذت من العبارة الأدبية المؤثرة أداة من أدوات المسالك المتجهة في مؤشرات بوصلتها إلى بعض الاهتمامات الغائبة، لما في التعبير الموحي من جذب مغناطيسي و دلسةٍ تُحْدِثُها في حسب المتقبل لها وإحساسه وبالتالي تحويل الأثر إلى سلوك وممارسة. وقد تأخرت منابر مكة عن تكريم هذا الكاتب الروائي الرائد. ومن جاء متأخرًا في التكريم قد يصل. وقد جهد نادي مكة الثقافي الأدبي في تكريم مثقفي مكةالمكرمة على اختلاف أجيالهم، ومشاربهم وتنوع إبداعاتهم الثقافية. ومن هؤلاء الأعلام الأستاذ حامد حسين دمنهوري. الذي يكرمه نادي مكة الثقافي الأدبي في مطلع عامٍ جديد 1432ه، ليُتيح الفرصة لقراء المشهد الإبداعي الثقافي الاستمرار في قراءة الدمنهوري الكاتب الروائي وهو يعيد في هذه المناسبة طبع ونشر روايتي (ثمن التضحية ومرت الأيام ) إيماناً منه بأن هذا النص الروائي يكتنز صوراً من أدبيات ما زالت مستورة محجوبة تحتاج إلى شيء من ثمن التضحية القرائية المؤسسة لمنطلقات ومرتكزات قضايا الرواية. وتشكيلاتها عند الروائيين السعوديين. والرواية حديثة النشأة، وهي أحدث نشأة عند الكتاب السعوديين. إذ يؤسس لظهور الرواية في المملكة العربية السعودية منذ رواية التوأمان الصادرة عام 1349ه المطبوعة بطابع الحكاية الإصلاحية، قبل نشر ثمن التضحية بنصف قرن. إذ نشر الأستاذ حامد دمنهوري هذه الرواية عام 1378ه.و هذه المرحلة بين البدايات الأولى لرحلة الرواية السعودية وثمن التضحية قمينة بالوقوف على تقنيات الكتابة الروائية، والإفادة من حضورها بقوة في معمار رواية الدمنهوري، وإن كانت قضية الرواية المركز ليست من قوة الانفعال بها، ورسم سيرورة أحداثها رسماً تتعالق فيه الأحداث وتتقاطع إلى درجة الاشتباك الباحث عن كشف خيوط النسيج التي كانت من الوضوح بمكان إذ بإمكانك تتبع مكانها من النسيج خيطاً خيطاً نظراً لذلك التجانس بين رؤية الكاتب وأدواته التشكيلية. وتعالق الرومانسي بالواقعي، واستبطان العرف الإصلاحي. مع أن غير دارس قد أشاروا إلى أن رواية ثمن التضحية تعد منطلقاً، ومرتكزاً لما يمكن أن يوصف بمرحلة النضج في سيرورة الرواية السعودية من وجهة النظر الفنية. والنضج هنا يومئ إلى اكتمال البنية العضوية للنص من حيث القضية المركز على أقل تقدير، وما وراء متعلقاتها وتشكيلاتها من فضاءات يستدعيها منطق العبارة، وطبيعة الحدث. لقد أثار تكريم نادي مكة الثقافي للأستاذ حامد دمنهوري، وإعادة نشر روايتي ثمن التضحية ومرت الأيام البحث في تحقيق رغبتي للمشاركة في التكريم بتحية المكرّم الذي استحق التحية في حياته وبعد رحيله عن دارنا رحمه الله رحمة واسعة.