والناسُ جميعاً تبكيهِ؛ كما قال «الأخ/أنا» في رحيل الضخم/ «غازي القصيبي»! ولهذا لم يفاجأ برحيل سيِّدَ البيد/ «محمد الثبيتي»؛ فالموت إمام الساخرين، وقد تتلمذ «المهاجر» على يديه منذ أن خطف أمَّه، «عتقاء» لم يرتوِ من حليبها! وفي أول زيارةٍ لها في «مَجَنَّة البقيع» «المقبرةَ» بلغة النعناع مطلعَ تفتحه الذهني، وبينما كان يحاول التعرف على مثواها، وقلبه دليله، فوجئ بصراخٍ جماعي متفاوت، لم يكن مصدره إلا «مستشفى الولادة»، المُطلِّ على البقيع مباشرةً! ياإلهي: ليس بين الموت والحياة سوى شارعٍ ضيِّق، مكتظٍ دائماً بالذاهبين من الآيبين، والآيبين من الذاهبين! وإذا بالزميل/ «أبي العلاء المعري» يهمس له همس «طه حسين» الرخيم الرحيم: خَفِّفِ الوَطْءَ، ما أَظُنُّ أَدِيمَ الأرضِ إلاَّ من هذه الأجسادِ! رُبَّ لحدٍ قد صار لحداً مراراً ؛ ضاحكٍ من تزاحم الأضدادِ! وقبيحٌ بنا وإن قَدُم العهدُ: هوانُ الآباءِ والأَجْدادِ سِرِ إن اسطعت في الهواء رويداً.. لا اختيالاً على رُفَاتِ العِبَادِ! أما في «الرياض» فإن الحياة اليوم تسير على رصيف «مقبرة النسيم»! وقد أصبح «شارع حوامل» آخر، يجري تحسينه بالورود، و»رذَّاذات» المياه! ومن يدري: لعلَّه يطرح للاستثمار من قبل أصحاب «الكوفي شوب»؛ ليغدوَ «شارع تحليةٍ» جديداً، بعيداً عن تَحسُّسِ «جمس بوند» وتوجُّسِه! يغري «محمد عمر» بالعودة إلى صباه مغنياً: إذا الشوقُ ليلاً أرادَ السَّهَرْ * فلا بُدَّ أن يستجيبَ القَمَرْ! مع الاعتذار للزميل/ «أبي القاسم الشابِّي»، الذي سخر من الموتِ قائلاً: سأعيشُ رغم الدَّاءِ والأعداءِ * كالنسرِ فوق القِمَّةِ الشَّمَّاءِ! ومات «بيولوجياً» وهو في السادسة والعشرين من عمره، ولكنه مازال خالداً في الذائقة العربية، بينما لم يعد أحدٌ يذكر مثلاً معاصرَه/ «أحمد سوهارتو»، الذي ظل عقوداً طويلةً ملء سمع العالم «النفطي» وبصره! وتوفي في التسعين، معزولاً يكاد يكون وحيداً! نعم ياأستاذنا/ الموت: كنت متأكداً أنك لن تفلت «أبا هوازن» من براثنك، بعد أن رآك، وصوَّرك جيداً؛ فخشيتَ أن يبتزَّك، ويهددك ويتوعدك ب»ويكيليكس»: هل أنت مسلمٌ أم كافر؟ سنُّيٌّ أم شِيعي؟ سعوديٌّ أم تحت كفالته؟ نجدي أم حجازي؟ ابن قبيلةٍ أم خضيري؟ بإقامةٍ نظامية أم متخلف؟ لكنك نسيت ياسيد الساخرين أنه كان «خاتم الماثلين على النطع»، ولم نفهم وصيته إلا اليوم: «أنا آخر الموت/ أول طفلٍ تسوَّرَ قامته/ فرأى فلكَ التِّيهِ/ والزمنَ المتحجِّرَ فيهِ»! و... «هانحنُ في كبد التِّيه نقضي النوافلْ/ هانحن نكتب تحت الثرى مطراً وقوافلْ»! رحل «محمد الثبيتي» ولن يموت! لاشئ يقتل الإنسان كالسقوط بين آلاف العيون المشفقة عليه والشامتة به! لاشئ يقتله كأن يتحول أهله إلى ممرضين وممرضاتٍ! إنه عذابٌ أليم، فقد «أبو يوسف» حتى قدرة التعبير عنه! فشكراً لأستاذنا الموت «البيولوجي» أن أراحه منه: «أفاتحه بِدمي المستفيق * فيذرفُ من مُقلتِي أدمُعَهْ وأُغْمِدُ في رئَتَيهِ السؤالَ * فيرفع عن شفتيَّ اصْبَعَهْ»! [email protected]