الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين.. أما بعد: كان العرب- في الجاهلية- يؤرخون بالحوادث الجسام التي تقع في مجتمعهم، ومنها حادثة الفيل المشهورة، عندما أراد أبرهة وجنوده أن يهدموا الكعبة المشرفة، وقد أثبت القرآن تلك الحادثة في سورة مستقلة هي سورة (الفيل)، والتي يحفظها معظم المسلمين، وارتبطت حادثة الفيل هذه، بمولد النبي محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، بل كانت من الإرهاصات الرئيسية لقرب ظهور النبي المرتقب، عليه السلام، تكاد تجمع كتب السير على ذلك، في تلك الحادثة حمى الله- سبحانه وتعالى- بيته العتيق، وحرمه الآمن من عبث العابثين. لكن الذي لا يعرفه كثير من المسلمين، أن الله سبحانه وتعالى منع الفيل من دخول المدينةالمنورة، حيث الحرم النبوي، وقبر الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، لكن الفيل الثاني لا علاقة له بالفيل الأول، فالثاني- الذي نحن بصدد الحديث عنه- حدث في نهاية سنة 728ه/ اكتوبر 1328م. إذ جاء حجاج العراق معهم بفيل يحمل (المحمل العراقي)، والذي بعثه معهم، حاكم العراق وبلاد فارس والأناضول، وهو السلطان المغولي (أبوسعيد خريندا)، وبالمناسبة فهو آخر (اياخانات) الدولة المغولية التي أسسها هولاكو خان، على إثر إسقاط الخلافة العباسية في بغداد، وتعاقب عليها أبناؤه وأحفاده من بعده، حتى كان آخرهم أبوسعيد المشار إليه هنا، ومهما يكن من أمر، فإن حجاج العراق- في تلك السنة- قدموا بفيلهم إلى الأماكن المقدسة، فتشاءم الناس منه، وحصلت فتنة خطيرة في حج ذلك العام، سفكت الدماء في المشاعر المقدسة، وأصر حجاج العراق على إدخال الفيل إلى مكة، حضروا به المواقف كلها، بعد انقضاء النسك، سافر الحجاج إلى المدينةالمنورة، ولما وصلوا إلى منطقة الفريش (المعروفة بقرب المدينةالمنورة، على الطريق بينها وبين مكة) عزف الفيل عن السير، بل أخذ في التقهقر إلى الوراء، وحاول القائمون عليه إجباره على السير إلى الأمام لكنه يأبى ذلك، بل ربما تقدم خطوة وتأخر خطوتين، وبينما هم يحاولون دفعه إلى الامام مستخدمين وسائل الترغيب والترهيب، بل والضرب العنيف، إذا به يخر صريعا أمام أعين الحاضرين، وقد لفظ أنفاسه، ونفق، وأصبح جثة هامدة، وسط دهشة الجميع، وكان ذلك في يوم الأحد الرابع عشر من ذي الحجة من السنة المذكورة. فها أنت ترى كيف يأبى الفيل الأول دخول مكة، ويأبى الفيل الثاني دخول المدينة. وختاما تقبلوا فائق التحايا. •أستاذ التاريخ الإسلامي المساعد الكلية الجامعية- جامعة أم القرى