جازان مدينة مغسولة بالبهجة ، ومعطرة بالفل والياسمين ، حدّ من حدود الوطن يأبى إلا أن يكون عصيّا ونديا في آن واحد ، مدينة تعلّمك أن الهوامش يمكن أن تكون مركزا ، وأن البساطة هي اللغة الممنوعة من الصرف في دكاكين المدنيّة الزائفة . غبت عن جازان أحد عشر عاما ، وجئت إليها بعد هذه السنوات ، فوجدتها حورية تجلس على شاطئ البحر ، وتمدّ جدائلها الذهبية ، تغني للسماء وللبحر واليابسة . جازان مدينة الغناء والرقص وسنابل الشعر ، تأبى إلا أن تظلّ عصيّة ، تقاوم شيئية الإنسان ، وغربة الهامش ، وملوحة المكان . تقاوم كل ذلك بالإنسان المبدع الذي يعلّمنا كل يوم أن البقاء للأفكار ، وأن الحياة للكلمات ، وأن المجد للإنسان . عجيبة هذه الأرض التي ظلت مكتنزة بجمالها ، وفيّة لأحلامها ، مع وعثاء السفر ، وغبار الطريق . جازان المدينة التي لا تبوح بإسرارها إلا للشعراء ، وللعشاق ، كنت على موعد معها ، أعاد لذة اكتشاف الأشياء ، والمدن ، والناس . جازان العاشقة التي انتظرت طويلا قطار التنمية ، ولم تنم ، قاومت السهر ، والحمّى ، ورصاص الجيران ، وكانت المواجع تفتح لها في كل يوم نافذة لغد مشرق يليق بجازان المدينة والناس . فجاءها الفاتح العاشق عبد الله بن عبد العزيز . اليوم جازان تلد من جديد على يدي أميرها المخلص محمد بن ناصر ، وتمتد على البحر ، وعلى الجبل ، وفي عيون الأعداء . كم كان صلاح عبد الصبور محقا عندما رأى الناس في مدينته جارحين كالصقور ، وكم فاته من الشعر عندما لم يزر جازان ؛ ليجد أناسا من الذهب وعناقيد الشعر . الناس في جازان هم صناع الحياة ، ونبت الجمال ، وصدر الحد الجنوبي ، التقيت بهم في جامعة جازان في مساء مكلل بالشعر مع عبد الله الفيفي وعبد الله الرشيد وأحمد عطيف ، ورأيت جازان على حقيقتها ، وأدركت قدرتها على المقاومة ، والبقاء ، لأنها جعلت الجمال سلاحها في معركة الحياة . جازان فيها جامعة فتيّة ، ولكنها تسابق الزمن بقيادات أكاديمية فذّة ، جعلت من العمل قيمة ، ومن التضحية مبدأ ، ومن الإنجاز كرامة ، معالي الدكتور محمد آل هيازع ، وأصحاب السعادة الوكلاء: الدكتور محمد ربيّع ، والدكتور علي عريشي ، وقناديل الجامعة ، وروحها النابضة الدكتور حسين دغريري ، والدكتور حسن الحازمي ، والدكتور ناصر الحازمي . و الدكتور محمد حبيبي و الأستاذ نايف كريري ، وآخرون لم أشرف بلقائهم . ومبدعو جازان - الذين يمتدون من ثقافة الروح أمثال : أحمد بهكلي ، وإبراهيم صعابي ، وحسن الصلهبي إلى ثقافة الحجر ، أمثال سادن التاريخ وحارس الأصالة فيصل طميحي المشرف على متحف جازان - رموز من رموز الإبداع العلمي ، والاستغراق في المعرفة . ومنتدى السلاسة الأدبي ، والقائمون عليه : إبراهيم نمازي ، ونايف كريري ، وأحمد العقيلي ، ونجومه القادمة بقوة حسام مدخلي ، وحمد نمازي ، والحسن الحازمي هم صوت جازان القادم ، ووعيها المستنير ، ولغتها التي لا تموت. في رحلة العودة كنت بجوار خبير تنمية الموارد البشرية الدكتور جمال الملا العائد من دورة تدريبية بجامعة جازان عن مهارة القراءة السريعة فسألته عن جازان المكان والإنسان فقال بلسان الحال : جازان مدينة تستعصي على القراءة السريعة . [email protected]