أثار الفيلم الجزائري “خارجون عن القانون” الذي تناول قضية نضال ومقاومة الجزائريين للاستعمار الفرنسي، وبلغت درجة الاعتراض على عرضه في القاعات مداها لدى الحركات اليمينية المتطرفة بالذات، غير أن الفيلم استطاع أخيرًا أن يشق طريقه لقاعات العرض، وسط ترقب كبير ليس في فرنسا وحسب بل لدى الجمهور الجزائري أيضًا الذي يترقب عرضه داخل وطنه خاصة وأن جزءًا كبيرًا منه تم تصويره في تونس داخل استوديوهات بن عروس للمنتج السينمائي طارق بن عمار. التي يمكن القول أنها مدينة سينمائية كاملة. كلّ الديكورات التي يحتاجها الفيلم من مدينة سطيف ومركز شرطتها الفرنسي والأحياء القديمة بالجزائر والأحياء القصديرية بفرنسا و“بيغال” الفرنسية بملاهيها ومقاهيها وحلبة المصارعة إلخ... ففي هذا الفيلم اجتمعت كل مقومات النجاح لعمل سينمائي يتوق لاستقطاب الجمهور بالتوازي مع معالجته لهذه القضية التاريخية المهمة، التي استطاع مخرج الفيلم رشيد بوشارب أن يجسدها بصورة رائعة، ساعده في ذلك أداء أبطال الفيلم، حيث أدى دور البطولة في هذا الفيلم جمال دبوز ورشدي زام والتونسي سامي بوعجيلة والفرنسي برنار بلانكون وهم الحائزون على جائزة أفضل أداء في فيلم «أنديجان» لنفس المخرج. بوشارب كشف في فيلمه عن فظاعة الاستعمار الفرنسي وأحداث الفترة الفاصلة بين 1945 و1962، حيث تدور أحداث الفيلم في ساعتين، تنطلق بمشهد تهجير عائلة جزائرية من أرضها التي توارثتها بسطيف أبا عن جدّ، فيجمعون ما تيسّر من أغراضهم القليلة ويغادرون أرضهم بحسرة وإذلال.. شيخ وعجوز وثلاثة أطفال عاجزون عن التصدي لقسوة المستعمر، تنتقل الكاميرا لتصوّر أحداث سطيف الدموية سنة 1945 التي سقط فيها آلاف الجزائريين شهداء من بينهم الأب، بعد سنوات تتوالى الأحداث لتكشف عن مصير الإخوة الثلاثة حيث خاض الأخ الأكبر مسعود حرب الهند الصينية مع الجيش الفرنسي، بينما يقبع شقيقه الأوسط المتعلم عبدالقادر في أحد السجون الفرنسية، ولا يجد الشقيق الأصغر سعيد ووالدته حلا سوى الرحيل الى فرنسا ليكونا قريبين من مسعود وعبد القادر، وبعد موافقة الأم يتجه سعيد إلى “قائد الجيش الفرنسي” الذي تسبب في تهجير العائلة بورقة مزيفة ويطعنه، ثم يستولي على ساعته ومحفظته ويغادران الجزائر للعيش في احد الأحياء القصديرية بفرنسا بين المهمشين والخارجين عن القانون، حياة بؤس وإذلال تصورها كاميرا بوشارب بشكل صادم في كل تفاصيلها، ينخرط سعيد (الشقيق الأصغر) في ممارسة أعمال غير قانونية ليضمن حياته وسط الملاهي الليلية وحلبة الملاكمة ليثأر من الفقر كأحد الأساليب أو الطرائق التي تقود إلى الحرية. تلتقي العائلة بعد تسريح مسعود من الجيش وخروج عبدالقادر من السجن وينخرطان في العمل بمصنع فرنسي، حيث ينطلقان في التخطيط للثورة وينضمان إلى جبهة التحرير الجزائرية ويجبران الشقيق الأصغر سعيد على المساعدة المادية لشراء السلاح ودعم النضال الجزائري ضد المستعمر ومن خلال عديد المشاهد تتكشف مختلف أوجه الاستعمار الفرنسي على غرار عمليات اليد الحمراء التي تغتال المقاومين بوحشية وهمجية. وبين نضال الشقيقين عبد القادر ومسعود واستماتتهما في الدفاع عن قضيتهما الوطنية ومواجهة المستعمر في أرضه تكشف لنا كاميرا المخرج عن نوع آخر من النضال تجسده الأم العجوز في رفضها للمال الذي يقدمه ابنها سعيد وإصرارها على العيش بكرامة ومساندة ابنيها على المضي في الدفاع لتحرير الجزائر. يصل التصاعد الدرامي إلى ذروته أثناء المطاردة البوليسية للأخوة الثلاثة ومقتل اثنين منهما في لحظة يقول فيها عبدالقادر لسعيد قبل ان يلفظ أنفاسه الأخيرة «انتصرنا». الفيلم أنجز بتقنيات عالية على ديكور حقيقي يحيل المتلقي على الخلفية السياسية والتاريخية لكل ما جاء فيه من أحداث، وقد عمد المخرج إلى استخدام مبهر لموسيقى حزينة مؤثرة رغم انه لم يسقط في فخ أشرطة الخطاب المباشر المبطن بالوعظ، بل على العكس قدم بوشارب المخرج المتمكن موضوعه فيلمه «خارجون عن القانون» مليئا بالحركة مكثفا بالأحداث المتسارعة والمؤثرة، ختمها بوثائق تاريخية مصورة عن استقلال الجزائر وفرحة الشعب بهذا الانتصار. يشار إلى أن فيلم بوشارب “خارجون عن القانون” حاز على الجائزة الذهبية وجائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان دمشق الأخير، وهو ثاني أشهر عمل للمخرج الجزائري رشيد بوشارب بعد “الأهالي”.