أقول بادئ ذي بدء: إن ارتباط المسلمين وبخاصة القراء منهم بالقرآن والقراءات كان ارتباطًا إيمانيًا وثيقًا، وحبًا روحانيًا عميقًا، لأنه كتاب الله عز وجل، يتلونه بتدبر أناء الليل وأطراف النهار، ويتدارسونه بتأمل وتعمق فيما بينهم، ويجتمعون على مائدته في سكينة ووقار (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب). نعم لقد أدى هذا الارتباط إلى كثرة الحلقات القرآنية في البيوت والمساجد والحرمين الشريفين بالذات، مما زاد من حفظة كتاب الله في جميع الأعمار، شبابًا وكهولًا وشيوخًا، وفي الوقت نفسه بلغ الاهتمام والتنافس عندهم أشده لتعلم علم القراءات المختلفة، لأنهم أدركوا مكانة هذا العلم وعرفوا أنه من أفضل العلوم، لكثرة المقبلين عليه، سلفًا وخلفًا، ولم يقفوا عند هذا الحد، بل ألف كثير منهم مؤلفات عدة في هذا الفن، أثروا بذلك المكتبات الإسلامية القيمة في أنحاء المعمورة. قال أهل العلم: القرآن الكريم هو اللفظ المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم، من أول الفاتحة إلى آخر الناس، وهو كلام الله لا كلام غيره، وسمي قرآنًا لأنه يجمع السور فيضمها، وللقرآن أسماء كثيرة منها: الفرقان والهدى والتنزيل والشفاء. أما القراءات: فمذهب من مذاهب النطق في القرآن يذهب به إمام من الأئمة القراء مذهبًا يخالف غيره، وتنقسم إلى قسمين: متواتر وشاذ. فالمتواتر ما اجتمعت فيه أركان ثلاثة. الركن الأول: موافقة وجه من وجوه النحو ولو ضعيفًا. الركن الثاني: موافقة رسم أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالًا. الركن الثالث: صحة الإسناد. فإن اجتمعت هذه الأركان أصبحت القراءة متواترة صحيحة. ثم تنقسم القراءات الشاذة إلى قسمين: القسم الأول: ما وافق رسم المصحف مثل قراءة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، (ملَكَ يوم الدين) بنصب اللام والكاف جعله فعلًا ماضيًا. وهذا القسم لا تجوز القراءة به في زماننا. القسم الثاني: ما خالف رسم مصحف عثمان، رضي الله عنه، مثل قراءة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، (فامضوا إلى ذكر الله) بدلًا من القراءة المتواترة (فاسعوا إلى ذكر الله ). هذه القراءة وأمثالها لا تجوز القراءة بها في الصلاة. ويجوز تعلمها لمعرفة القراءة الصحيحة من الشاذة. القراء: هم أولئك الذين تفرغوا لعلم القراءات وخدمة أهله وهم كذلك، وقد وهبهم الله تعالى أصواتًا جميلة لترتيل وتجويد القرآن الكريم، ولا شك أن أول حافظ وقارئ ومعلم للقرآن الكريم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم،الذي نزل عليه هذا القرآن من لدن حكيم خبير، وهو أجمل صوت حسن عرفه الحفاظ، والقراء، إنسانًا وجنًا (قل أوحي إليّ أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرءانا عجبا * يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا). فيليه أصحابه رضي الله عنهم أجمعون وعلى رأسهم عثمان، وعلي، وأبي، وزيد بن ثابت وابن مسعود، وأبو الدرداء، وأبو موسى الأشعري وغيرهم من أهل القلوب الرقيقة المؤمنة. وجاء من بعدهم القراء العشرة، والشواذ وهم: نافع المدني، ابن كثير المكي، أبو عمرو البصري، ابن عامر الشامي، عاصم حمزة، الكسائي (الكوفيون). وهؤلاء هم السبعة ثم أبو جعفر المدني، ويعقوب الحضرمي، وخلف البزار، العشرة المكملون. أما قراء الشواذ فهم: ابن محيصن، ويحيى اليزيدي، والحسن البصري والأعمش. زد على ذلك رواتهم ويبلغ عددهم 42 قارئًا وراويًا. لقد استمرت مسيرة القراء والقراءات والتأليف وكثر أهل العلم المبارك في كل قرن وفي كل عصر وهم يخدمون القرآن وعلومه بكل إخلاص وتفان ويخرجون أجيالًا تلو الأجيال. وبعد: ففي الآونة الأخيرة وبخاصة قبل عهدين أو أكثر اتجهت بعض الدول الإسلامية بإقامة مسابقات قرآنية سنوية ومن أشهر هذه المسابقات. مسابقة في دولة ماليزيا وأيضا في المملكة العربية السعودية ومسابقتي دبي ومصر، وهذه المسابقات لاقت إحسانا وسرورا لدى أهل القرآن الكريم وكانت لها أهداف كثيرة منها اجتماع الحفاظ على مائدة القرآن الكريم وتشجيعهم على حفظه وتجويده وترتيله وتدبره والعمل بما جاء به من خير كثير، وهذا حاصل بإذن الله تعالى ولكننا نطمع أكثر فأكثر لمعرفة علوم القرآن الكريم بكل ما تعنيه هذه الكلمة. ومن ناحية أخرى فإن أنظار المتصلين بكتاب الله تعالى تتجه هذه الأيام إلى مكةالمكرمة إلى أم القرى إلى مهبط الوحي وتعود بهم الذاكرة إلى غار حراء، حيث نزلت أول آية من كتاب الله الكريم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (اقرأ باسم ربك الذي خلق) وفيها تقام لأول مرة مسابقة قرآنية داخل الحرم المكي الشريف وهذا شيء جميل، وإضافة جديدة وهي داخلة بتطوير المسابقة وهذه الإضافة تحسب لوزارة الشؤون الإسلامية. ونحن بدورنا نتمنى من المحبين للمسابقة أن يحضروا بشوق لكي يروا بأم أعينهم هذا التنافس الجميل، وسوف يلحظون اشتراك صغار السن للمسابقة الذين يأتون من أرض الله الواسعة والكثير منهم لا ينطق من اللغة العربية حرفًا ولكنه يرتل القرآن ترتيلا، ولا شك أن هذا من خصائص القرآن الكريم وهذا هو سر الإعجاز في كتاب الله تعالى في كل زمان ومكان. (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) • مدرس بالمسجد الحرام