خرجت السينما المصرية بالنصيب الأكبر من جوائز مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الرابعة والثلاثين، حاصدة خمس جوائز في حفل الختام الذي أُقيم في نهاية الأسبوع الماضي على المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية، حيث استأثرت مصر بجوائز أفضل فيلم روائي طويل، وأفضل فيلم عربي، وأفضل ممثل، وأفضل ممثلة؛ بالإضافة لجائزة ملتقى القاهرة السينمائي الأول التي تمنح لأول مرة هذا العام. لينال الفيلم المصري “الشوق” جائزة “الهرم الذهبي” كأفضل فيلم روائي طويل، وفيلم “ميكروفون” للمخرج أحمد عبدالله نال جائزة أفضل فيلم عربي، بينما حصلت الفنانة المصرية سوسن بدر جائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم " “الشوق”، وحصد المصري عمرو واكد جائزة أفضل ممثل عن دوره في الفيلم الإيطالي “الأب والغريب” مناصفة مع زميله في الفيلم الممثل الإيطالي إلبساندرو جاسمان، وذهبت جائزة ملتقى القاهرة السينمائي الأول للمخرجة المصرية “ايتن أمين” عن فيلم “69 ميدان المساحة”. وذهبت جوائز المسابقة الدولية للفيلم الأيرلندي “كأنني لم أكن هنا” الذي فاز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة “الهرم الفضي”، وجائزة أفضل مخرج للبلغاري سفيتوسلاف فتشاروف عن فيلمه “التعليق الصوتي”، وجائزة سعدالدين وهبة لأفضل سيناريو للفيلم الإيطالي “الأب والغريب”، وجائزة نجيب محفوظ لأفضل عمل أول للمخرج البولندي أندرية كوتكوسكي، مخرج فيلم "ولد من البحر"، وجائزة يوسف شاهين لأفضل إبداع فني لموسيقى الفيلم الفلبيني “أمير”. الأفلام العربية ومنحت لجنة الأفلام العربية شهادة تقدير للفيلم المغربي “الجامع” ومخرجه داوود أولاد السيد، وشهادة تقدير أخرى للممثلة التونسية هند الفاهم عن دورها في فيلم “آخر ديسمبر”، وذهبت جائزة “أفضل سيناريو” مناصفة بين فيلمي العراقي “ابن بابل” تأليف وإخراج محمد الدراجي لحساسية موضوعه، واللبناني “رصاصة طائشة” لقوة الحبكة الدرامية وصياغته الدقيقة وصدق المعالجة. وفي مسابقة الأفلام الديجيتال حصد الفيلم الهولندي “جوي” الجائزة الذهبية لأفلام الديجيتال، وجائزة لجنة تحكيم النقاد الدولية للفيلم البلغاري “تعليق صوتي”، الذي استطاع عرض تأثير نظام ديكتاتوري على أشخاص عاديين. صدمة “الشوق” ورغم انتقادات الصحفيين للفيلم “الشوق” خلال عرضه إلا أنه خدع التوقعات وفاز بجائزة “الهرم الذهبي” أكبر جوائز المهرجان، وانتقد حضور الندوة فكرة الفيلم ولجوء المؤلف إلى أفكار غير منطقية مثل موت الطفل بطل الفيلم بمرض الفشل الكلوي لفقر الأم، بينما انتشرت مراكز علاج المرض، وأيضًا وجّه النقاد انتقادات حادة للممثلات لسبب ملابسهن التي لا تتماشي مع البيئة الفقيرة في حي شعبي، وقال المخرج خالد الحجر في الندوة: أعترف أننا نعيش في مجتمع ذكوري يعطي كل الحقوق للرجل ويميزه عن المرأة لذلك أردت الانتصار لهم من خلال الفيلم فجعلت البطلة (أم شوق) هي محور الأحداث مع ابنتيها. كما واجه المخرج اتهامات بتشويه سمعة مصر لتعمده التصوير في حي فقير من أحياء مدينة الإسكندرية، وتركيزه على اتجاه البطلة “سوسن بدر” للتسول حتى تستطيع علاج ابنها، الأمر الذي نفاه المخرج الحجر، مبينًا أن الإنتاج المشترك مع فرنسا لم يكن هدفه إبراز جوانب سلبية في المجتمع المصري. وأعلن المخرج أن الفيلم لن يطرح مستقبلًا بدور العرض لأنه يستعد لتسويقه في عدة مهرجانات قبل طرحه تجاريًّا. مبتدئًا في ذلك بمهرجان فينيسيا المقبل، متمنيًا أن يجد مكانًا في المسابقة الرسمية، مؤكدًا إنه إن لم يحدث ذلك فهناك قائمة لعدة مهرجانات أخرى. مبررًا فكرته بالإشارة إلى أن فيلمه يحمل خصوصية شديدة تصنفه من نوعية الأفلام الجادة، وهو التصنيف الذي دفعه للبحث عن دعم خارجي لإنتاج الفيلم، لأنه يعلم أن موضوع الفيلم صعب إنتاجيًّا. دور مرهق بطلة الفيلم سوسن بدر تحدثت عن الدور الذي قامت به قائلة: دور الأم كان من أصعب الأدوار التي قدمتها. فقد أرهقتني حالة الأم من معاناة وتحمل المسؤولية. وأصعب مشهد كاد يبكيني حقًّا هو مشهد موت الطفل بعد كل محاولات الأم لجمع المال لإنقاذه. وأيضًا مشهد التسول الذي كان وسيلة الأم الوحيدة لكي تحصل على المال وتوفر الأمان المادي للأسرة. “كأنني لم أكن هنا” وفي المقابل وجد إعلان فوز الفيلم الإيرلندي “كأنني لم أكن هنا” رضا متابعي المهرجان لكونه أكثر الأفلام واقعية ونقله تجربة شديدة الخصوصية وحالة نفسية عالية نقلت ما حدث لفتاة تعرضت للاغتصاب من القوات الصربية، وقالت مخرجة الفيلم خلال ندوة مناقشته: الحالة النفسية لضحية الاعتداء الجنسي تتمثل في أن يكون رد فعله تجاه ما يحدث حوله، وكأن الذي حدث له من اعتداء وحشي حدث لشخص آخر، وهذا هروب من الواقع الأليم الذي يعيشه ويظهر ذلك واضحًا أثناء مشاهدة عملية الاغتصاب متمثلًا في تركيز البطلة على منظر الذبابة. مضيفة: إخراج هذا الفيلم الذي يتناول حدث للمسلمين في البوسنة من اعتداءات وحشية برغم كوني أجنبية من غير خارج البوسنة وغير مسلمة حملني مسؤولية كبيرة تجاه ذلك، ووجدتها مهمة شاقة في أن أعبر عن الحقيقة بكل تفاصيلها الدقيقة، لأني تصديت لقضية شديدة الأهمية والتعقيد بالنسبة للمسلمين، رغم أني لم أكن أقصد إظهار فكرة الحرب في حد ذاتها لأنها معروفة بالنسبة للمشاهد، ولقد تناولتها أفلام كثيرة قبل ذلك؛ ولكنني أردت أن أركز على حوادث الاعتداء الجنسي من خلال البطلة “سميرة” صغيرة السن وسط ظروف وملابسات الحرب، والقوة التي تستوحيها تلك البطلة لتلك الظروف القاسية لكي تستطيع مواجهة ما يحدث لها ولكي تستطيع أن تحيا. وقد ركزت المخرجة على فكرة التطهر وأظهرت البطلة تستحم أكثر من مرة، وبررت المخرجة هذا التصرف بقولها: في بعض حالات الاغتصاب مهما تقوم الضحية بتنظيف بنفسها فإنها لا تزال تشعر أن هذا الجرح لن يندمل وغير كاف للتطهير مما حدث لها، والمقصود في الفيلم وهو التركيز على عدم نسيان حادثة الاغتصاب بالنسبة للبطلة وللمشاهد في الوقت نفسه. جدل حول الديجيتال أغرب قرارات لجان المهرجان جاءت في أفلام الديجيتال حيث حصل الفيلم الهولندي “جوي” على الجائزة الذهبية في المسابقة. وعقد جمهور المهرجان مقارنة بينه وبين الفيلم الأمريكي “مسلم”، ورغم الانتقادات العنيفة التي واجهتها إدارة المهرجان بسبب قبولها الفيلم الهولندي لاحتوائه على مشاهد جنسية، مما دفع بعدد كبير من الشباب والفتيات إلى الخروج من قاعة العرض والعزوف عن إكمال المشاهدة بسبب المشاهد الساخنة، كما لم يحضر ندوته سوى عدد من قليل الأشخاص. وقالت بطلة الفيلم: إنها حصدت جائزة أفضل ممثلة عن نفس الفيلم في مهرجان إسباني، وحصد الفيلم جائزة أفضل فيلم وإخراج في مهرجانات دولية أخرى. وفي المقابل دخل الفيلم الأمريكي “مسلم” في مقارنة مع “جوي” وتساءل الجمهور لماذا لم يفز “مسلم” بجائزة رغم إجماع من شاهده على استحقاقه للجائزة لحساسية القضية التى تناولها، واشتراك نجوم معروفين في هوليوود مثل داني جلوبر ونيا لونج، مما أدى بإدارة المهرجان إلى إعادة عرضه مرة أخرى، وعقد لقاءات مفتوحة مع صناع الفيلم ومخرجه قاسم بصير، ولكن يبدو أن لجنة التحكيم لها رؤية مختلفة عن قضايا الفيلم. أخطاء بالجملة ولم تخل الدورة الرابعة والثلاثين من المهرجان من الأخطاء كبقية المهرجانات، ولكن أكثر ما لفت الأنظار في هذه الدورة أخطاء تنظيمية في إدارة الندوات، وحفل الافتتاح. وكاد الفنان عزت أبوعوف رئيس المهرجان أن يتعثر في الأسلاك على المسرح أثناء صعوده لإلقاء كلمته في حفل الافتتاح، وتكرر الموقف مع الممثلة المصرية ليلى علوي التي تعثرت في سلك الكاميرات، وأنقذت نفسها من السقوط. أما الندوات فقد كان أكثر شيء واجه الانتقاد هو قيام مترجمين بإدارة الندوات، ولم يستطيعوا نقل الأسئلة النقدية حول الأفلام، واقتصرت معظم الأسئلة الحيوية في ندوات أفلام “من أنا” الروسي، والصيني “حب من طرف واحد”، ثم إلغاء أربع ندوات في يوم واحد لأفلام "كوباكوبانا" الفرنسي، و"ليتل روك" الأمريكي، والمجري"الكثير من أجل العدالة"، والإمارتي "دار الحي". للكبار فقط خرج عدد من النقاد والجماهير ساخطين على بعض الأفلام لاحتوائها على مساهد ساخنة وتصنيف ما يقرب من 30 % من أفلام المهرجان بعلامة "للكبار فقط" مما جعلها جذبًا للمراهقين من الشباب ولكن أكثر الحضور خرج قبل إتمام المشاهدة غاضبًا من مشاهد الفيلم الصيني "حب من طرف واحد" والهولندي "جوي". أفلام وكتيبات وقد شهدت هذه الدورة من المهرجان عرض 147 فيلمًا في نحو 10 تقسيمات، منها 16 فيلمًا في المسابقة الدولية للأفلام الروائية، و17 في مسابقة الأفلام الروائية الرقيمة، وعشرة في مسابقة الأفلام العربية الروائية، بينما عرض الباقي تحت بند تكريمات أو فاعليات فرعية. ففي فرع مهرجان المهرجانات عرض 64 فيلمًا، وعرض ثلاثة أفلام تحت عنوان السينما العربية الجديدة، وستة أفلام في تكريم مصر في فاعلية "مصر في عيون السينما العالمية"، وعرض 8 أفلام خارج المسابقة، و8 آخرون تكريمًا لقناة آرتيه الفرنسية الألمانية المشتركة، كما تكرم السينما الإفريقية بسبعة أفلام، وعرض في الافتتاح الفيلم البريطاني "عام آخر" للمخرج مايك لي. كما أصدرت إدارة المهرجان أربعة كتب تناولت سيرة المكرمين، وكتاب نقدي وهام هو "مصر في عيون سينما العالم" للناقد أحمد رأفت بهجت، والذي يستعرض "صورة مصر" في السينما العالمية، ويتضمن نقدًا عنيفًا للروح الاستشراقية التي سجنت مصر في صورة "خلفية أحداث فرعونية"، مستعرضًا ما يزيد عن 120 فيلمًا عالميًّا تجاريًّا جرت أحداثها في مصر أو تناولت أحداثًا مصرية عبر 100 عام.