تتمحور الرؤية المستقبلية لوزارة التعليم العالي حول جعل منظومة التعليم العالي في المملكة منظومة تعليمية وطنية توفر البنية الأساسية لنقل المعرفة ونشرها، ويتم هذا من خلال نسق منهجي يضمن تحقيق أهداف الدولة وخطط التنمية التي تهدف إلى تعدد الفرص المتاحة للطلاب وتحقيق زيادة في فرص الالتحاق بالتعليم العالي على المستوى الوطني من خلال اتّباع سياسة التوسع الأفقي للجامعات بافتتاح فروع لها في المحافظات المختلفة، وكذلك افتتاح برامج وتخصصات جديدة مرتبطة بسوق العمل في كل جامعة، مع إيجاد آلية للتقييم المستمر لجميع البرامج ولكل المستويات المجانية أو المدفوع منها. ومن الملاحظ أنه ومع كل بداية عام دراسي جديد يبدأ العد التنازلي لسباق محموم لطلبة الثانوية العامة للتنافس حول تحقيق أعلى المجاميع الممكنة في اختبارات الثانوية العامة، القدرات العامة والتحصيلي، لحجز أماكن في إحدى جامعات أو كليات المملكة. فيبدأ البعض منهم بالالتحاق بمجموعات الدروس الخصوصية للحصول على أعلى المجاميع للالتحاق بالجامعة، مع الأخذ في الاعتبار أن الغالبية الأكبر منهم ترغب في الالتحاق بأفضل الكليات أو كما يسميها البعض بكليات القمة «الطب والهندسة» لأن المجتمع ينظر نظرة مختلفة لهذه الكليات، وبسبب الرغبة في الحصول على الوجاهة الاجتماعية دون الإدراك أن سوق العمل اختلف وأصبح هناك مهن عليها طلب كبير، ولا ترتبط بكليات القمة، والسبب الآخر يكمن في أن نظام التعليم الحالي وضع الطلاب في عنق زجاجة من خلال نظام الثانوية العامة الحالي الأمر الذي جعل الطلاب يتسابقون من أجل الخروج من هذا الضيق لكي تتوفر لهم فرص الالتحاق بكليات القمة، مع إيماننا التام بأن كل المهن مهمة وأي فئة تقدم خدمة للمجتمع فهي مطلوبة وليس خريجي الكليات العليا فقط، فهذا مرض اجتماعي ينبغي معالجته من خلال النظر لاحتياجات سوق العمل الذي يجب أن يحدد احتياجات الكليات وعدد الطلاب الذين يدرسون بها. وكمحاولة لوضع حلول للخروج من هذا المأزق أرى أنه لابد من تفعيل فكرة إنشاء مكتب تنسيق لخريجي الثانويات تحت مظلة، وإشراف وزارة التعليم العالي لتسهيل إجراءات قيد وتسجيل الطلاب في جميع الجامعات والكليات الحكومية ولتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص الذي أصبح في بعض الجهات معدومًا، ولا يتوافق مع المجتمع الذي يسوده الواسطة والمجاملات، فلدينا في المملكة الآن الكثير من الجامعات والكليات الحكومية والخاصة ما يسمح للطلاب والطالبات دراسة ما يريدون من تخصصات مختلفة اعتمادًا على رغباتهم ووفق امتحانات القدرات والتحصيلي وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين الجميع. ويتمحور عمل المكتب المقترح إنشاؤه على توزيع الفرص الدراسية والأماكن الشاغرة في جميع الجامعات والكليات التابعة لوزارة التعليم العالي أو الجهات الأخرى كالمؤسسة العامة للتعليم الفني أو الهيئة الملكية للجبيل وينبع، واعتماد معدل الطالب في امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة أو ما يعادلها أساسًا للقبول بشكل رئيسي، كذلك يكون القبول على أساس تنافسي من خلال لجنة التنسيق مع مراعاة بعض الظروف الاجتماعية والجغرافية للطلبة وبما يحقق أكبر قدر من المواءمة بين رغبات الطلبة والتخصصات المتاحة ولتخفيض أعداد المقبولين في البرامج والتخصصات المشبعة وبشكل تدريجي. وتتمحور الفكرة بأن يكون للمكتب خمسة فروع تغطي جميع مناطق المملكة المترامية الأطراف، شمالية، جنوبية، شرقية، غربية ووسطى، على أن يقوم فرع المنطقة الغربية وعلى سبيل المثال بالتنسيق مع جميع جامعاته وكلياته (جامعة الملك عبدالعزيز، جامعة أم القرى، جامعة طيبة، الجامعة الإسلامية، الكليات التقنية التابعة للمؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني والكليات التابعة للهيئة الملكية للجبيل وينبع) لتحديد الطاقات الاستيعابية وتوجيه جميع المتقدمين والمتقدمات بالفرص المتاحة وتحقيق رغباتهم الدراسية. ومن المؤمل أن يكون لدى المكتب قاعدة بيانات عن كافة التخصصات المتاحة والمرغوبة لدى الجهات الحكومية والخاصة لتوجيه كافة الطلاب واختيار التخصص الأنسب لهم لشغل الوظائف الشاغرة بعد التخرج من خلال مسوح ميدانية وحسب خطط مستقبلية لكافة الأعمال التي تعتمد وبشكل متزايد على العناصر الأساسية في الإنتاج من كفاءة ومعرفة وإبداع. د. ياسر عبدالعزيز حادي - فرجينيا - جامعة ماري لاند