هل كان الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر مفرطًا في التفاؤل حين عنون كتابه "بوسعنا تحقيق السلام في الأرض المقدسة: خطة ستنج". مشيرًا إلى إمكانية التوصل إلى تسوية للنزاع العربي الإسرائيلي خلال فترة الرئيس الأمريكي باراك أوباما والتي يراها الفترة الأنسب لتحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط؟.. وهل يرجع تفاؤل الرئيس الأمريكي الأسبق إلى درايته الوثيقة بكل ما يتعلق بالمنطقة التي كان اهتمامه بها ملحوظًا وبخاصة خلال العقود الثلاثة الأخيرة وكان انخراطه فيها بشكل فعال في محاولة فهم قضاياها المعقدة والمتشابكة فضلًا عن تأكيده أن طريق السلام مفتوح الآن ويحتاج إلى دعم دولي واقليمي واسع؟ يتضح لقارئ الكتاب أنه بالرغم من تفاؤل مؤلفه المفرط بأن طريق السلام مفتوح خلال فترة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، فإنه يؤكد أنه لن يكون هناك تقدم في مسيرة السلام في الشرق الأوسط بدون قيادة أمريكية تتصف بالشجاعة والتصميم وبدون تعهد دولي واقليمي ببذل جهد في التحرك على طريق السلام والاستفادة بجهود السلام السابقة. بدأ الرئيس جيمي كارتر كتابه الذي يتألف من ثلاثة عشر فصلًا بمقدمة تاريخية عن الصراع العربي الإسرائيلي منذ رحلة سيدنا ابراهيم عليه السلام إلى كنعان قبل أكثر من أربعة آلاف عام، ومرورًا بإقامة دولة لليهود في فلسطين (وعد بلفور) في عام 1917 والانتداب البريطاني لفلسطين في عام 1922 وأعمال العنف التي مارسها المسلحون اليهود حتى اشتعال الحرب العالمية الثانية ووصولًا إلى قرار التقسيم وإعلان دولة إسرائيل في عام 1948، وحرب 1956 وانشاء منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 وحرب 1967 وقرار مجلس الأمن رقم 242 القاضي بانسحاب إسرائيل من الاراضي التي احتلتها في 5 يونيو 1967. في الفصل الثاني من الكتاب استعراض لجهود الرئيس كارتر لتحقيق السلام في الشرق الاوسط والتي تمحورت حول ضرورة حصول الفلسطينيين على كل وطن قومي لهم بشرط التوقف عن مطالبتهم بتدمير إسرائيل وهي الجهود التي تهدف إلى إنهاء العداء العربي لإسرائيل وتؤكد أن المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية تعد إحدى عقبات عملية السلام. ويشير الرئيس كارتر في الفصل الثالث من الكتاب إلى دوره في مفاوضات كامب ديفيد التي نجح خلالها في جمع الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجين لمحاولة إيجاد حل لقضية المستوطنات الإسرائيلية وللضغوط التي تصاعدت في مواجهة السادات بسبب مبادرته للسلام، وهي المفاوضات التي نتج عنها فقط التوصل لاطار التسوية واتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل ولم يتم تنفيذ بنود الاتفاقية المتعلقة بالقضية الفلسطينية لرفض الفلسطينيين المشاركة في هذه الجهود. ويشير كارتر إلى خسارته العديد من الأصوات اليهودية في الانتخابات الرئاسية في عام 1980 وإلى ادراكه أن قضية السلام في الشرق الاوسط لن تكون من أولويات خلفه بالمنطقة من خلال قيامه بالعديد من الزيارات للمنطقة وباللقاءات التي أجراها قادتها ويتابع كارتر سرده التاريخي وصولًا إلى مؤتمر مدريد عام 1991 ثم اتفاق أوسلوا عام 1993 الذي كان يميل لمصلحة إسرائيل حسبما اشار في كتابه. وإذا كان يرى كارتر أن سياسات الرئيس جورج بوش الابن التي تمحورت حول الخطر الايراني - اخفقت في دفع تل ابيب إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق سلام إلا أنه يؤكد في الفصل الخامس من الكتاب أن مبادرة السلام العربية التي طرحتها المملكة العربية السعودية في مارس 2002 ووافقت عليها الدول العربية ودول منظمة المؤتمر الاسلامي بما فيها ايران كانت في اعتقاده فرصة حقيقية للتوصل إلى تسوية سلمية في منطقة الشرق الأوسط لولا عملية نتاليا التي أدت إلى رد فعل غاية في العنف من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي اريل شارون ومن ثم اشتعلت بعدها احداث العنف المسلح بين الطرفين الفلسطيني الإسرائيلى. في رأى الرئيس كارتر أيضًا أن الجدار العازل الذي بدأت إسرائيل في بنائه عام 2003 يمثل اعتداء صارخًا على الأراضي والحقوق الفلسطينية أن الضغوط التي فرضتها الولاياتالمتحدة وإسرائيل لمنع تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية بقيادة حركة حماس التي نجحت في الانتخابات التشريعية في بداية عام 2006 تعد من أكبر العقبات التي واجهت عملية السلام في المنطقة مشيرا إلى العزلة التي فرضتها واشنطن وتل أبيب على حركة حماس المنتخبة وإلى دعوته إلى ضرورة الحوار والتعامل معها. ويخلص الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر إلى رؤيته القاضية بتحقيق السلام في الشرق الأوسط والتي يؤسسها على حل شامل يحظى بقبول عام ولا يهمش أحدًا من الأطراف المشاركة وعلى إمكانية أن تلعب حركة حماس دورًا ايجابيًا في تحقيق السلام الذي يتطلب تأييدًا فلسطين واسعًا يصعب تحقيقه بدونها بالإضافة إلى تأكيده أهمية السلام بين إسرائيل وكل من سوريا ولبنان. خطة الرئيس كارتر التي يرى إمكانية نجاحها في تحقيق السلام في الأرض المقدسة لا تقوم فقط على الحوار بين الأطراف المتنازعة وإنما تدعو الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى القيام بدور ايجابي وريادي قد يقضي منها أحيانًا ممارسة ضغوط للحيلولة وسيطرة قوى التطرف على مسار السلام ولعدم السماح لاعتبارات أمنية خفية باستبعاد اطراف مهمة مثل حركة حماس وايران. في الفصل الأخير من الكتاب يوجه الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر خطابه إلى الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما قائلًا: إن الوقت قد حان للتقدم والسير على طريق السلام الذي من الممكن تحقيقه وبذل الجهد في إقناع إسرائيل بتبني ما يسمى بشرط الرباعية الدولية التي قابلتها إسرائيل بتشكك في الوقت الذي تبنتها فيه مجموعات السلام الفلسطينية وناشطو حقوق الانسان في المنطقة مؤكدًا ضرورة تضمين حزب الله وحماس وسوريا وايران في العملية التفاوضية ورافضًا الحصار الذي فرضته أمريكا وإسرائيل على حكومة حماس، ومطالبًا بضرورة التعامل معها باعتبارها حكومة أفرزتها انتخابات ديمقراطية أشرف عليها هو نفسه (كارتر) وآخرون. لم يتجاهل كارتر في كتابه الحقائق التاريخية التي تشير إلى تجاهل إسرائيل للقرارات الدولية مستشهدًا بقرار الأممالمتحدة رقم 194 الذي يقضي بأحقية عودة اللاجئين الذين قدرتهم المنظمة بنحو 710 آلاف فلسطيني غادروا وطنهم طوعًا أو كرهًا ثم لم يسمح لهم بالعودة، وأكد كارتر في أكثر من موضع بالكتاب أهمية مبادرة السلام العربية التي طرحتها المملكة العربية السعودية ووافقت عليها الدول العربية والتي يتم بموجبها تطبيع 22 دولة عربية علاقتها الدبلوماسية والتجارية مع إسرائيل.