في مقال الأربعاء الماضي بعنوان: «قضايا الخادمات.. حقائق مغيبة وحلول غائبة»، أوجزت فيه أهم جذور المشكلات بين الأسر من جانب والعمالة المنزلية من جانب آخر، وتمنيت لو أنصفنا الحقيقة بألا نرى عنف الأسرة باعتباره حالات فردية وإن تسبب في مآسٍ.. وأن أخطاء الخادمات حالة عامة وإن أوقعت مصائب، لأن رؤيتنا للقضية بهذا الشكل تزيد من مناخ الشك المتبادل مع سبق الإصرار؛ بأن كل طرف متهم بالترصد وحتى التحرش إلى أن يثبت العكس!. باختصار شديد نحتاج أولًا إلى ثقافة وقائية أكثر رشدًا للحقوق والواجبات بشكل حازم للطرفين، وليس مجرد نصائح ودروس في الأخلاق عندما يحدث حادث.. فقطاع عريض كهذا به ملايين العمالة وتتعامل معه ملايين الأسر يستدعي حلولًا سريعة على مسارين متوازيين وقائي وتنظيمي. أولًا: ضوابط إرشادية ملزمة لطرفي العقد بالحقوق والواجبات. ثانيًا: إيجاد حلول أشمل من خلال تطوير الأنظمة الحالية ووضع ضوابط لكل شيء، سواء بما يتعلق بالاستقدام وآلياته أو تنظيم العلاقة القانونية باعتبار أن العقد شريعة المتعاقدين، ومن يخالف بحق الطرف الآخر لابد وأن يجد حلًا وجهة محددة تحفظ له حقوقه وبسرعة.. دعونا نرى المسألة بشيء من التفصيل، ونعترف بغياب الوعي لدى كل طرف، إلى درجة أن التعامل يبدأ مشتركًا على التوجس والخيفة والشكوك، على الأقل خلال فترة الاستكشاف الأولى، فإما تزول المخاوف أو تتأكد، والسبب أن الحقوق لا تزال مسألة نظرية انطباعية متناقلة ومشوهة، وفق نصائح المحذرين وتحريض المحرضين على أن لكل طرف بأن يأخذ أقصى ما يمكن من الآخر، وبالتالي غابت قاعدة (العقد شريعة المتعاقدين)، لذا أتمنى لو صاحب العقد كُتيب إرشادي بالحقوق المتبادلة التي يجب أن يصاحبها إجراءات قانونية حازمة لحماية العقد وبشكل واضح وسريع.. لابد من تفعيل الأنظمة وتعزيزها، والتثقيف الحقيقي ليس فقط بنصوص العقد، وإنما بما يستوجبه من التزام حقيقي للطرفين، وعلى سبيل المثال يشكو البعض منا من الهروب والسرقة، وننسى أن فينا من لا يمنح عمالته المنزلية حقوقها أو يماطل فيها، وهناك من لا يعرفها من الأساس في المعاملة، ناهيك عن تشغيل الخادمة والسائق عند أكثر من أسرة (إن كان مزواجًا)، أو لدى أبنائه المتزوجين أو أقارب، وكأن هؤلاء آلة صماء تعمل وتنتقل وقتما يشاؤون وحيث يريدون.. والطرف الآخر أيضًا -أقصد الخادمة والسائق- تسود بينهم الشكوى من الظلم، لكنهم يتجاهلون –أيضا- أن هناك من يهرب ومن يسرق ومن يؤذي.. إذًا لابد من التثقيف الحقيقي كأرضية أساسية مصاحبة لإجراءات الاستقدام، وأن يكون له آليات مشتركة في بلادنا، والبلدان المصدرة للعمالة حتى لا يكون العقد حبرًا على ورق من هذا الطرف أو ذاك. نأتي للحل الإجرائي، أعتقد أن القضية بحاجة إلى سرعة إجراءات جديدة كتشكيل هيئة من وزارات الداخلية والخارجية والعمل والعدل، وممثلين عن مكاتب الاستقدام الأهلية، لدراسة مشكلات هذا القطاع العريض وتطوير أنظمة العمل به، وسرعة تطبيق لائحة شركة الاستقدام الموحدة الجاري دراستها والحزم في تنفيذها، وكذا لجنة حماية العمالة المنزلية التي أعلن عنها معالي وزير العمل المهندس عادل فقيه، وتفعيل وتطوير دور شركة الاستقدام المنتظرة في تنظيم الجوانب المالية، وتنقل العمالة مع ضوابط محددة (لا ضرر ولا ضرار)، وعلى سبيل المثال إذا رغبت الخادمة الانتقال فلتنتقل ويحاسبها المكتب، ويتم تعويض الأسرة بغيرها، وكذا إذا رغبت في العودة إلى بلدها أو الإعارة المنظمة. كما أن الأمر بات يستدعي وجود محاكم عمالية ذات اختصاصات لتسريع البت في الخلافات ونشر ثقافة (حق التقاضي)، بدلًا من عادات التعسف الفردي من أي طرف. ختامًا أقول: إن سوق العمالة المنزلية تشبَّع بالقضايا والمشكلات حتى اختلط فيه الحابل بالنابل، وحان الوقت لضبط واستقرار هذا القطاع بوعي حضاري، وتعاون أفضل من جميع الجهات والأطراف، بما فيها سفارات الدول المصدرة للعمالة، فما نخشاه أن تتوفر سبل العلاج المنشود ولا يتغير الواقع، ثم ندعو لفتح الاستقدام من دول جديدة ونهرول إليها، دون حل جذور المشكلات، وهذه مشكلتنا المزمنة.. فهل حان الوقت..؟! [email protected]