انتشرت في الآونة الأخيرة الكثير من مظاهر الغلو، وباتت ملحوظة ومشاهدة للكثيرين، البعض يعتقد أن التشدد علامة على قوة الإيمان، ويعزونه لشدة الغيرة على الدين، دون أن يدركوا خطره الداهم على الأمة. فما هي الأسباب الحقيقية وراء هذه الظاهرة؟ وما العلامات والدلائل التي يفهم منها رب الأسرة أن ابنه يمشي في طريق أوله حرص زائد وآخره ندم وتهلكة؟ وماذا على هذا الأب أن يفعل؟ هل يواجه ابنه ويعامله بالشدة والصرامة؟ أم أن اللين قد يكون أكثر جدوى؟ وعلى من تقع مسؤولية مواجهة هذه التطورات السالبة في المجتمع؟ هذا ما نجد الإجابة عليه ضمن آراء نخبة من المفكرين والمختصين *************** منظومة متكاملة لمكافحة التطرف يمثل الإعلام حلقة من منظومة كبيرة ومتشابكة منها مؤسسات التربية والتعليم ومؤسسات المجتمع المدني ومراكز البحث المتخصصة والمؤسسات الدينية فضلًا عن دور المسجد والأسرة والتنشئة الاجتماعية. هذه المنظومة يقع عليها عبء كبير في محاربة التطرف والغلو في الدين ومن هذا المنطلق لا بد من سبر أغوار هذا التطرف والتعرف على منابعه ومكامنه ومن يغذيه، وعمل خطة استراتيجية على مراحل وذات أهداف ومدد زمنية محددة، وتحديد الآلية المناسبة للتنفيذ والمتابعة المستمرة واستخلاص النتائج والتقويم. ويتطلب من الإعلام التعاون الجاد والاستفادة الحقة من هذه المؤسسات وكذلك أصحاب الاختصاص والخبرة للتعاطي مع مسألة الغلو والتطرف الديني واستخدام الوسائل الإعلامية المناسبة في الوقت المناسب مع اختيار المحتوى (الرسالة الإعلامية) بدقة من خلال قوالب فنية مبدعة ومناسبة. ويجب ألا يقتصر الدور الإعلامي على وسيلة واحدة أو مادة إعلامية واحدة بل يجب تعدد وتكامل الوسائل والقوالب بحيث تضم الوسائل الإعلامية التقليدية والإعلام الجديد. وأيضًا يجب تعدد القوالب من مقالة صحافية وكوميديا وكاريكاتير ومسرحية وقصة قصيرة ومسلسل وتقرير وتحقيق، وهكذا تصاغ الرسالة الإعلامية بأسلوب جذاب ومقنع وبمؤثرات إعلامية تتناسب مع طبيعة المادة الإعلامية. كما يجب معرفة ردود فعل المتلقين للرسائل والحملات الإعلامية ودراستها والاستفادة منها في تحسين وتطوير النهج الإعلامي فضلًا عن معرفة درجة التفاعل والتأثير الذي تحدثه كل وسيلة أو مادة إعلامية على حدة. فالملاحظ على وسائل الإعلام أنها تفتقر للجودة والعمل الإعلامي المحترف وهذا يرجع إلى ندرة الكادر الفني المتخصص وشح الموارد المالية أو أن الصرف على العمل الإعلامي لا يوازي الجهد المقدم وبالتالي كثيرًا ما تتعثر الأعمال الإعلامية غير المدعومة بشكل جيد أو أنها أنتجت بشكل سطحي بدائي. ومن المفارقات في السوق الإعلامي أن قيمة فيلم لا تتجاوز مدته خمس دقائق بجودة فنية شاملة وعالية يعادل ميزانية قناة فضائية. فالعبرة هنا بالكيف ودرجة التأثير والإقناع وجذب المتلقي وليس بالكم وملء صفحات الجرائد وساعات البث بأي طريقة كانت. •أستاذ الصحافة والإعلام بجامعة الملك عبدالعزيز ************** الإسلام دين الوسطية والاعتدال لا يمكن لأحد أن ينكر دور الوسائل الإعلامية على مختلف أشكالها وألوانها وتخصصاتها في أهمية تبيان الحق من عدمه في موضوع الغلو، والغلو مفهوم من مفاهيم الدين عرف قديمًا، وحذرت الشريعة الإسلامية من الغلو وهناك جانب الحديث لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم وإنما أنا عبد الله فقولوا عبد الله ورسوله، وكذلك في مجال العبادة والتشدد فيها فنحن أمة وسط وأمر المسلم أن يتوسط في كل شيءء: “وكذلك جعلناكم أمة وسطى”. والوسطية في كل الأمور محببة إلى النفس وبخاصة إذا كانت في معيار مهم جدًا في حياتنا وهو الغذاء الروحي والدين الذي لا يمكن لأحد أن يستغني عنه يروي أن هناك ثلاثة نفر جاءوا ليعرفوا أو يتعلموا عبادة الرسول فأجابتهم السيدة عائشة وكان النبي التقى بهم بعد أن سألوا عن عبادتهم فقال من الذي يسأل عن كذا وكذا أما والله إني لأتقاكم بالله وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن غير سنتي فليس مني وجميعنا يدرك أن الإسلام شريعة سمحة تدعو إلى الرفق واليسر بالمسلم فهي لا تكلفه إلا ما يطيق قال تعالى: “فاتقوا الله ما استطعتم”. وقال الرسول: “إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم” فالإنسان في عبادته إذا أداها يجب أن يكون متوسطًا وما شاهدناه غلو في الدين فهو لا يعتبر من الدين في شيء لان ديننا دين واضح سمح دين وسطي لا يعرف الغلو ولا الإفراط ولا التفريط نحن مأمورون بعبادته وأمرنا أن نصلي خمس صلوات فمن زاد عليها فكأنما تركها ومن صام الدهر كله فكأنما لم يصم ولذلك منهج بعض الخواص من هذا الزمن المبالغة في عملهم هذا أنه يتماشى مع الدين يعتبر مغالاة في طريقتهم وفي أمورهم واسأل الله سبحانه وتعالى لهؤلاء الشباب أن يهديهم طريق الحق. يجب أن ندرك أن على وسائل الإعلام أن تنقل هذه الصورة وتبيان الحق لكل الناس عبر الكلمة المقروءة والمسموعة والمرئية ولا شك أن في فترة ليست ببعيدة وما زلنا بحمد لله نزاول التوعية الإذاعية والتلفزيونية عبر برامج مختلفة منها إذاعة القرآن الكريم ونجد أن هناك عددًا من العلماء المتخصصين الذين يقدمون الأحاديث المنتقاة الصادقة الوسطية في مفهومها الوسطية في مدلولها. وهناك البرامج الدينية فيها من الحوارات الكثيرة في التلفزيون واستضفنا ما يقارب من 350 شخصية إسلامية عند أو بعد أحداث11 سبتمبر لبيان الحق وان المنهج الذي يسلكه بعض الشباب مجانب للحقيقة وفيه مغالاة وفيه تطرف ومزايدة على الدين ولا احد يرضاه ولذلك أؤكد أن الوسائل الإعلامية مهما تنوعت عليها دور كبير في ترشيد الشباب خاصة وترشيد الأمة بشكل عام أن ينتهجوا منهج الوسطية الذي سلكه الرسول والصحابة ومن تبعهم بإحسان • مستشار وزير الثقافة والإعلام المشرف على قناتي القرآن والسنة النبوية ****************** الإعلام مقصِّر في محاربة الغلو ودوره سلبي الغلو من الظواهر التي ابتليت بها المجتمعات ومن أهم الأسباب التي تدفع الكثيرين إلى ولوج متاهات الغلو، والوقوع في آثاره السلبية السيئة: سوء فهم الدين وضعف البصيرة بحقيقته. وهو ناتج عن الجهل بحقيقة الدين وأصوله وقواعده أو عن قلة العلم أو عن مؤثرات خارجية تغطي على الشخص تجعله يسيء فهم الدين. فالعلم الشرعي هو العاصم - بتوفيق الله - من الوقوع في كثير من الزلات، لذا جاء التأكيد عليه في القرآن والسنة وكثرت آثار السلف في الحث عليه. قال نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم: “يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وتأويل المبطلين”. فالبعد عن العلم والتقصير فيه من الأسباب العظيمة لسوء فهم الدين. وصور الجهل بالدين كثيرة منها: الجهل بالقرآن الكريم والسنة المطهرة، والجهل بمنهج السلف الصالح، والجهل بمقاصد الشريعة، والجهل بمراتب الأحكام، والجهل بمراتب الناس، والجهل باللغة العربية، والجهل بحقيقة الإيمان والكفر. ويتجلى أثر ذلك الجهل فيما نراه اليوم من انحراف كثير من الشباب حيث إنهم لجهلهم بالكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح وحقيقة الإيمان والكفر ينزعون من رقابهم ما فرضه الله عليهم ولزمهم من بيعة ولي الأمر، والسمع والطاعة له في المعروف، وتوقير ولاة الأمر وإكرامهم، وحفظ حقهم، والدعاء لهم ومناصحتهم سرًا لا جهرًا، وحرمة غيبتهم، والطعن فيهم، والتشهير بهم، وحرمة الخروج عليهم، وحرمة الإعانة على من خرج عليهم ولو بالكلمة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “اسمع وأطع في عُسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك”. كما قال: “فإنَّهُ من فارق الجماعة شبرًا فمات إلا مات ميتة جاهلية”. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمَهُ اللهُ: “وأما أهل العلم والدين والفضل فلا يرخصون لأحد فيما نهى الله عنه من معصية ولاة الأمور وغشهم، والخروج عليهم بوجه من الوجوه، كما قد عرف من عادات أهل السنة والدين قديمًا وحديثًا ومن سيرة غيرهم”. قال ابن رجب رحمَهُ اللهُ: “وأما السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين ففيها سعادة الدنيا، وبها تنتظم مصالح العباد في معاشهم، وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعة ربهم”. ومن أسباب الغلو سلوك المنهجية الخاطئة في العلم والتعليم. فبعض الناس قد يسلك طريق العلم؛ لكنه لا يوفق للمنهج الرشيد والطريق القويم في منهجيته، ولهذا الانحراف صور شتى منها: الإعراض عن العلماء الربانيين، والتعلق والالتفاف حول المشبوهين والمنحرفين. فنجد كثيرًا من الغلاة والمتنطعين يبتعدون عن علماء أهل السنة كالشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين وابن جبرين رحمَهُم اللهُ، ويلتفون حول بعض رؤوس الغلاة والإرهابيين المبطلين، الذين يزينون لشباب المسلمين عمليات التفجير والاغتيالات. ومن المنهجية الخاطئة اتباع المتشابه وترك النصوص المحكمة التي تنهى عن تكفير المسلم الذي لم يرتكب ناقضًا من نواقض الإسلام، وتحرم دم الذمي والمعاهَد، ويأخذون بالمتشابه فيكفرون المسلمين حكاما ومحكومين بعمومات ورد تخصيصها ومطلقات ورد تقييدها. ومن أعظم الأمور التي تعالج الغلو والتطرف وتجتثه من جذوره: التمسك بالكتاب والسنة على منهج السلف الصالح، والتفاف الشباب حول علماء الأمة الربانيين، والبعد عن المشبوهين والمفسدين. وكذلك التفاف الأمة والشعب حول حكامها المسلمين، وطاعتهم بِالْمَعْرُوفِ، وعدم غشهم، ومناصحتهم سرًا، والدعاء لهم بالتوفيق والسداد. ولا بد من تحذير الشباب من الغلو والتطرف، والتحذير من كبار الغلاة بأعيانهم، والتحذير من كتبهم ومؤلفاتهم وبخاصة الداعية إلى الإرهاب والتفجير والتكفير. وكذلك تحذيرهم من القنوات الفضائية المشبوهة المدمرة للدين والعقيدة، وكذلك تحذيرهم من المواقع المنحرفة على شبكة المعلومات الإنترنت. ومن المهم أيضًًا تأليف الكتب والردود التي تكشف شبهات الغلاة، وتحصن عقول الشباب من الانسياق وراء تلك الشبهات. وأخيرًا ينبغي عقد الندوات والمحاضرات والدروس التي تجتث الإرهاب من جذوره وتكثيف ذلك في المدارس والمعاهد والجامعات والمساجد وجميع المناسبات الشرعية. أما الإعلام فأراه مقصرًا في طرح ومعالجة الغلو وأسبابه وتحذير شباب الأمة من مخاطره التي لا تحمد عقباها، ومن المفترض أن تكون هناك ندوات ومحاضرات عبر وسائل الإعلام المختلفة للعلماء والدعاة والمثقفين بين الفينة والأخرى ليعرف الصغير والكبير مخاطر الغلو وما ينتج عنه. أما العلماء ودورهم في محاربة الغلو فأرى أنهم قاموا بدورهم على أتم وجه في توضيح الغلو وما ينتج عنه من مخاطر، وكذلك الحال بالنسبة للأمة المساجد. ******************** المجتمعات تحكم توجهات الشباب للغلو في الدين أسباب كثيرة قد تجتمع في جماعة معينة منها الجهل بالدين وعدم فهم مقاصد الشريعة الإسلامية، فالجهل هو الذي أوقع كثيرًا من الناس في الغلو بجميع صوره وأشكاله وهذا يوجب عليهم التفقه في الدين، ومن هنا تتضح لنا أهمية التفقه في الدين كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم “من يرد به الله خيرًا يفقه في الدين”. ومن الأسباب كذلك المحاكاة وتقليد من ليس لهم علم شرعي، وإنما ترأسوا الناس عبر القنوات الفضائية أو مواقع الانترنت، فاتباع هؤلاء وتقليدهم بلا علم أوقع كثيرًا ممن سلكوا هذا المسالك الضائعة. وكذلك عدم أخذ العلم الشرعي من أهله الربانيين الذين شابت لحاهم في العلم وبلغوا مبلغًا عظيمًا فيه. كذلك فإن اتباع الهوى مذموم بل عده الله سبحانه وتعالى من أنواع الشرك، وعبادة غير الله كما يتضح من الآية الكريمة: “أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلًا” وقال علي رضي الله عنه: (أخوف ما أخاف عليكم طول الأمل واتباع الهوى، فأما طول الأمل فإنه ينسي الآخرة، وأما اتباع الهوى فإنه يصد عن الحق. ولا ننسى أن العيش في بيئة تعج بالفتن والضلالات واتهام الآخرين وسوء الظن بهم هو من أسباب الغلو أيضًا، حيث لا يُقبل الحق إلا من أناس بعينهم، مع وضوحه وظهوره بأدلة الكتاب والسنة، والعيش في مثل هذه المجتمعات التي قد تكون شبابية أو طائفية موصوفة بالتعصب والغلو هي التي تدفع الإنسان نحو الغلو في الدين. ويلاحظ أن الغلو أبرز ما يكون عند الشباب، ويعود السبب في ذلك إلى مجموعة من العوامل من أبرزها حداثة السن، فإن حداثة السن تجعل الشباب غير متزن إذا لم يتلق التوجيه الصحيح وقد اخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يأتي في آخر الزمان أقوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام، فالشباب معروف عنه الطيش وعدم التثبت والروية، وقد نصب الأعداء سواء في فتن الشبهات أو فتن الشهوات فخاخهم ووجهوا سهامهم تجاه الشباب لأنهم عدة الزمان وهم عدة الأمة، فإذا استهدفت الأمة في شبابها وهو ما يسعى إليه أعداؤنا عقديًا وفكريًا وخلقيًا وأصيبوا فيهم فقد أصيبت في مقتل عظيم. • أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام