نحن بحاجة ماسة إلى توعية شاملة، وحملة إعلامية كبيرة تُعيد الجيل إلى القراءة والمطالعة، وكما هو معلوم في الاستقراء أن العرب أقل شعوب الأرض قراءةً واطلاعًا، وزاد على ذلك حدوث الوسائل من تلفاز ويوتيوب وجوال وغيره؛ لتساعد في إبعادهم أكثر فأكثر عن خير جليس في الزمان ألا وهو الكتاب، وقد احتالت بعض الدول لإعادة الجيل للقراءة ففي مصر تقوم سيارات متنقلة داخل الأحياء توزع كتبًا بأثمان زهيدة مغرية للقارئ وتُنصب صناديق معبأة بالكتب والمجلات تقرب الكتاب للناس، نحن نقدم حاجة البطن ألف مرة على حاجة العقل فعندنا تمدد وتضخم في الأجسام، وضمور وانكماش في الأفهام، في الشارع الواحد بالرياض أو جدة أو الدمام أو غيرها عشرات المطاعم من المضغوط والمندي والمضبي والحنيذ والمشوي والكباب والمثلوثة والأكلات الشعبية ولا تجد إلا مكتبة واحدة خاوية على عروشها لا يرتادها إلا من كُلف ببحث جامعي وأُجبر على شراء دفاتر أو حقائب. لم أشاهد الإعلام عندنا قام بحملة قوية مقنعة تدعو الناس للقراءة ولهذا إذا جلست في مجموعة وأحببت أن تعرف مدى مستواهم المعرفي واطلاعهم وثقافتهم فاسألهم عن عناوين الكتب وأسماء العلماء وقضايا التاريخ وبديهيات المعرفة ومسلّمات العلوم تشاهد عجبًا من قلة المعرفة وضحالة الاطلاع، يقول أحد الأساتذة: سألت أحد الطلاب في الثانوية وقلت له: الكتاب لسيبويه من ألفه؟ فقال الطالب: الله أعلم، سل أبناءك وبناتك في البيت عن الكتب المشهورة ومؤلفيها وسوف تدرك صحة ما أقول. أرجو من كل أب وأم أن يُوجدوا مكتبة صغيرة في بيوتهم ويختاروا طائفة نافعة من الكتب ويخصصوا وقتًا ولو قصيرًا كل يوم للمطالعة الحرة، لن نرتقي ولن ننجح ولن نتقدم إلا بالعلم والمعرفة ومن أعظم مفاتيحها القراءة ولذلك كانت أول كلمة نزلت على رسولنا صلى الله عليه وسلم من ربه تبارك وتعالى: (اقرأ باسم ربك الذي خلق)، مر في التاريخ أن كثيرًا من الخلفاء والحكام والوزراء دعوا الناس ورغبوهم إلى القراءة ومصاحبة الكتاب، فقد ألزم الخليفة الأندلسي الناصر رعيته باستحداث مكتبات منزلية وحدد جوائز للقراءة وشجع على الاطلاع بكل وسيلة. ومن أراد أخبار القراء فعليه بكتاب: صفحات من صبر العلماء على شدائد التحصيل لعبدالفتاح أبي غدة وكتاب عشاق الكتب وكتاب عاشق وكتاب المشوق إلى القراءة وكتاب حلية طالب العلم وغيرها من الكتب. أعرف أن عندنا شريحة هائلة تقرأ لكن غالب قراءتها في الصحف اليومية والمجلات والدوريات وأحيانًا تختار زوايا من هذه الصحف كأسعار الأسمنت وأخبار سوق الخضرة وأنباء كرة السلة وإعلانات المستحضرات التجميلية وعالم الأزياء. إن العقل لا يكبر بالأرز ولا بالباذنجان ولكنه يتسع ويعظم بالعلم والبرهان، والمعرفة والإيمان نحن نأكل كل يوم ثلاث وجبات بما يقارب عشرين لونًا من المطعومات فهل لنا أن نتناول وجبة واحدة من العلم والمعرفة عن طريق كتاب نافع مفيد؟ وبما أننا مسلمون فرجائي أن نبدأ يومنا جميعًا بتدبر صفحة أو صفحتين من القرآن الكريم يوميًا على الأقل وقراءة حديث نبوي واحد من رياض الصالحين للنووي لأن هذا دليل إلى الجنة وبعدها نضرب في شعاب المعرفة وأودية العلم يمينًا وشمالًا، متى نشاهد في كل بيتٍ ومسجدٍ وفصلٍ ومستوصفٍ ومستشفى ونادٍ مكتبة تحمل أنبل العلوم وأجلّ المعارف؟ تعالوا لنقرأ يا أمة الإسلام، كفانا خمولًا وكسلًا وإحباطًا وجهلًا.