وزيرة الدفاع الإسبانية تستقبل وزير الدفاع ويعقدان جلسة مباحثات رسمية    تنمية المدن التاريخية.. تعظيم للإيرادات السياحية    وزير الخارجية يرأس وفد المملكة المشارك في قمة بريكس بلس 2024    أمير القصيم يرعى حفل إطلاق رالي القصيم بمشاركة 61 متسابقا من 13 دولة    القبض على (7) يمنيين في عسير لتهريبهم (154) كجم "قات"    شواهد تاريخية    القبض على 4 متورطين في حملة كراهية تجاه فينسيوس    السعودية للكهرباء تختتم مشاركتها في ملتقى توطين قطاع الطاقة بتوقيع اتفاقيات تتجاوز قيمتها 54.7 مليار ريال    أكثر من مليون هندي يهرعون إلى الملاجئ مع اقتراب الإعصار «دانا»    نائب أمير مكة يتوّج الفائزين بجائزة مكة للتميّز في دورتها ال 16    الرياض يهدد الاتحاد.. والعروبة ينتظر الشباب    معهد الدراسات الفنية للقوات الجوية يحتفي بتخريج الدورة «140»    نائب وزير الخارجية يشارك في المؤتمر الدولي لدعم شعب لبنان وسيادته    الرئيس الفلسطيني: إسرائيل تخطط لإفراغ غزة من سكانها    أمانة عسير تستعيد 6مواقع تم التعدي عليها في نطاق مدينة أبها    إيداع أكثر من مليار ريال في حسابات مستفيدي "سكني" لشهر أكتوبر    ارتفاع حجم الاستثمار الأجنبي المباشر بالمدينة بنسبة 2800%    المركز الوطني للطب البديل والتكميلي يستضيف وفداً من دار النشر بجامعة الإمام    د. التميمي: التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي في صميم استراتيجية تجمع الرياض الصحي الأول    أسرة الشريف تزف أحمد إلى عش الزوجية    استمرار هطول أمطار رعدية متوسطة وغزيرة بالمملكة    الهيئة العامة للعقار تُعلن بدء أعمال السجل العقاري ل 39 حيًا بمدينة الرياض والمدينة المنورة    وصول الطائرة الإغاثية ال12 لمساعدة الشعب اللبناني    فعالية "ليالي الفيلم السعودي" في محطتها بالصين… انطلاقة نحو تعاون سينمائي أكبر بين الصين والسعودية    تقرير أممي : 70 % من قتلى النساء والأطفال بالحروب كانوا في غزة    نيابةً عن خادم الحرمين.. وزير الخارجية يصل قازان لترؤس وفد السعودية المشارك في اجتماع بريكس    التعاون يتغلّب على التين أسير التركماني بثنائية في دوري أبطال آسيا 2    المطارات للسفر.. لا للمزاح    ملتقى الصحة العالمي    نائب أمير الرياض يعزي أسرتي بن شوية وبن حضرم    الدرعان مديراً بمجمع إرادة والصحة النفسية    أفراح حلواني وراشد بقران الدكتور عاصم    عبدالعزيز بن ماجد يواسي آل مقبول في فقيدهم    نائب مدير عام الجوازات يتفقد سير العمل في جوازات منطقة القصيم    «الحسكي».. واحات طبيعية ومكونات سياحية مميزة    وزير الدفاع يجتمع مع عدد من رؤساء كبرى الشركات الصناعية الإيطالية    أمير المدينة المنورة يرعى الحفل الختامي لموسم تمور المدينة    «هاكثون الإبل».. تعزيز الموروث الثقافي    امرأة يمَّمت وجهها شطر الإبداع.. عن ابنة «بيت الحكمة» أكتب    المُعمِّر السعودي.. حكاية انتهت بقوتها ورشاقتها    فلتان ملعون    حدثوني عن مقبرة الأحلام    6 شركات سعودية تتأهل لنهائيات كأس العالم لريادة الأعمال    «ديك فرنسي» يثير نزاعاً قضائياً    تركيا: أربعة قتلى و14 جريحاً في هجوم على شركة صناعات الفضاء    الحليسي يحتفي بدكتوراه ريم    مانشستر سيتي يسحق سبارتا براغ بخماسية في «أبطال أوروبا»    18 مليونا تذاكر السينما المباعة    للمرة الخامسة.. نجم القادسية آل مخلص بطل العالم للجوجيتسو    مرضى اضطراب الزورانية غير مسؤولين جنائيا    4 تقنيات بمؤتمر تطورات طب الأطفال    أمير القصيم يستقبل نائب مدير الجوازات    نائب أمير الرياض يعزي ابن شوية وابن حضرم    السفير الإيراني يزور مجمع طباعة المصحف الشريف    المعلومة بين الحقيقة والوهم    في ظلال موسى.. الإنسان القلِق الخائف    جامعة الأمير سلطان وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي يوقعان اتفاقية تعاون مشترك لإنشاء مركز فكر سعودي متخصص في الدبلوماسية العامة    "مفوض الإفتاء في جازان": القران والسنة تحث على تيسير الزواج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرائد الذي أتقن صناعة الكلمة وصقل المواهب وتثقيف العقول.. محمد صلاح الدين الدندراوي
نشر في المدينة يوم 08 - 12 - 2010

** بحكم النشأة في بلد الجوار النبوي يمكنني القول أن إنشاء صحيفة المدينة المنورة على يد السيدين علي وعثمان حافظ قد كانت له آثاره الإيجابية التي انعكست على الحياة الاجتماعية والتعليمية والثقافية والأدبية، ولكن مع نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات الهجرية كان المشهد الثقافي والأدبي قد بدأ بالتغير، فلقد نزح عدد من أدباء المدينة المنورة ومثقفيها لمدن أخرى في أرجاء هذا الوطن، وخصوصًا مكة المكرمة التي انتقلت إليها الصفوة من رجالات هذه البلدة الطاهرة، ويمكن أن نذكر في هذا السياق شخصيات من أمثال الأساتذة السيدين عبيد وأمين مدني، والأستاذ عبدالقدوس الأنصاري، وضياء الدين رجب، ومحمد الحركان، ومحمد حسن زيدان، ومحمد عمر توفيق، والسيد علي حسين عامر، وعبدالحميد عنبر، وعلي مدرس، وهاشم دفتردار، وعبدالسلام الساسي، وسيد ياسين طه، وحسين قاضي، وأمين عبدالله، ومحمد العامر الرميح، وماجد الحسيني وغيرهم.
** ولقد أدرك الشابان الصاعدان - آنذاك - في ميدان الصحافة والكتابة السيد هشام ومحمد علي حافظ، أن الوقت قد أزف لحماية الصحيفة من موت بطيء والإسراع في الانتقال بها إلى فضاء جدة الثقافي والأدبي، وتمكنت المدينة قبل نظام المؤسسات وبقوة من المنافسة في شارع الصحافة بكل جرأة واقتدار، وكان يقف على هرم التحرير فيها أحد المؤسسين وهو السيد عثمان حافظ - رحمه الله -.
** في هذه الحقبة - أي بين عامي 1385 - 1386ه - حطت في رحال الصحيفة شخصية تمرست بالعمل الصحافي في صحيفة الندوة ومجلة الحج، ونعني به الأستاذ محمد صلاح الدين الدندراوي - شافاه الله - والذي ينتمي لأسرة لها فروعها في المدينتين المقدستين.
** استطاع “صلاح” أن يؤسس لمدرسة جديدة في الصحافة السعودية والتي تمثل امتدادًا لمدرسة جيل الرواد.
** مع بداية عام 1390ه انتقل كاتب هذه السطور للدراسة الجامعية في مكة المكرمة مع زملاء كان في مقدمتهم الأخوان الدكتور يوسف أحمد حوالة، وعلى حمزة غرارة، وكنت آنذاك أبعث بمقالات أدبية متواضعة للأستاذ سباعي عثمان الذي كان يشرف على صفحة الأدب، وقادتني الظروف لزيارة الصحيفة في مبناها القديم، فتعرفت على الوجوه الصاعدة - آنذاك - من أمثال الأساتذة أحمد محمود، وهاشم عبده هاشم، وعلي خالد الغامدي،وسواهم، وإن كانت معرفتي بالدكتور هاشم تمت قبل هذا التاريخ عن طريق عزيزنا الأستاذ علي حسون.
** لم أتمكن - عندئذ - من مقابلة أستاذ الجيل “صلاح” الذي عرف بمقالاته التي ربما لن تُكن - آنذاك - صحيفة أخرى غير المدينة قادرة على هضمها، وهي في نفس الوقت تمثّل أنموذجًا للكتابة الصحفية الموجزة والمتقنة في آن.
** في عهد السيدين عثمان حافظ ومحمد صلاح الدين شهدت المدينة بداية صدور الملاحق الصحافية، وقد سبقت هذه الحبيبة التي يقف شامخًا على ترويستها رمز الإيمان والسلام والحب، المنارة الرئيسية - كما ينطقها عامة الناس في البلد الطاهر والقبة الخضراء التي يرقد تحت ثراها سيد الخلق وشفيعهم وحبيبهم وقرة أعينهم سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. نعم لقد سبقت المدينة الصحف الأخرى في هذا الميدان، فلقد أصدر زميلنا الأستاذ واللغوي المعروف محمد يعقوب تركستاني “ملحق التراث” في صفحة واحدة وكان ذلك في عام 1393ه، إن لم تخنّي الذاكرة، وكما شجعنا سباعي عثمان - رحمه الله - على الكتابة في صفحته الأدبية والتي شهدت الكتابات الإبداعية والأدبية للزملاء والأساتذة الكرام: د. عبدالله باقازي، وسلمان سندي، وعلي حسون، وعبدالله السالمي، وأنور عبدالمجيد، وفاروق باسلامة، وطاهر تونسي، وسواهم، فلقد شجعنا أبوزلفى - شافاه الله - على الكتابة في ملحقه الذي تطور فيما بعد حتى أصبح يصدر في أربع صفحات مع صباح كل يوم خميس، وظل توأمًا لملحق الأربعاء الذي صدر مع بداية عام 1403ه في حقبة الأستاذ والزميل الكريم أحمد محمود، وبفكرة ثاقبة ورعاية لم تدم طويلاً من الأديب السيد عبدالله عبدالرحمن جفري - رحمه اللّه -.
** بعد غربة طويلة في ديار الغرب عدت إلى الوطن عام 1406ه لأشارك في التدريس بقسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة الملك عبدالعزيز؛ ولكن الحنين والعشق والوله الروحي بالمدينة البلد والمدينة الصحيفة لم يتبدل، وإخاله بإذن اللّه مستمرًا حتى تستقر الأجساد منّا في تلك الربوة الطاهرة بجوار صحابة رسول الله وآل بيته الطاهرين - رضي الله عنهم - أجمعين.
** لم تكن الوجوه في الصحيفة غريبة عليَّ؛ فقصدت مكتب الزميل الكريم الأستاذ علي حسون والذي كان يشغل آنذاك منصب مدير التحرير، وإذا أنا وجهًا لوجه أمام أستاذ الجيل “صلاح”، وكعادته كان مبتسمًا ومهذبًا، ولم يبخل ببعض عبارات الثناء التي تذكّرك بالكبار في كل شيء سلوكًا وخلقًا وأريحية، وأخرج من جيبه “كرته” الأنيق، وفيه رقم هاتفه الخاص.
** لم تمض أيام قليلة حتى تعرضت لوعكة صحية شديدة، ولم أكن قادرًا على النزول من درج المبنى الذي أسكنه في الجامعة فضلاً عن قيادة السيارة، وتذكرت فجأة “صلاح”، وطلبت من زوجتي أن تهاتفه وتطلب منه إن أمكن إرسال سائقه ليأخذني إلى أقرب مستشفى، فهدأ من روعها وسألها عن عنوان المنزل، وبعد مدة وجيزة كان أحدهم يدق جرس باب الشقة، وكنا نتوقع أن سائق “صلاح” قد وصل؛ ولكن المفاجأة كانت أن “صلاح” بنفسه كان يقف على الباب، وأمسك بيدي حتى وصلنا سيارته، فقادتنا إلى مستشفى الدكتور فقيه، ولم أعد إلى منزلي إلا بعد عدة ساعات، وعندما وصلنا بالقرب من المنزل طلبت منه أن يغادر فبإمكاني الصعود إلى السكن، ولكنه أصر أن يرافقني حتى الدور الثالث، وعندما شكرته على صنيعه؛ أجاب بكل أدب ورهافة حس بأن ذلك شيء يسير في حق الأخوة.
** في داره العامرة رأيت لأول مرة وجوهًا كريمة لم أقابلها من قبل؛ مثل الأستاذ عزيز ضياء، والسيد محسن باروم، والسيد إياد مدني، وراشد المبارك، وغيرهم. فلقد كان كثير الاحتفاء بالشخصيات الفكرية والأدبية من داخل الوطن وخارجه. وللتاريخ فلقد كان “أبو عمرو” يسكن لمدة طويلة في شقتين بالإيجار في مدائن الفهد، قبل أن يسكن قبل سنوات قليلة في منزل خاص به، ولكن قاتل الله اللجاج، وحسن الظن بالآخرين مطلب شرعي أمرنا الله به.
** قبل أيام قليلة من مرضه طلب مني أن أُعد له قائمة بأسماء بعض الإخوان والزملاء ليحتفي بهم كعادته في داره، ولم أعلم يوم هاتفته قبل عصر يوم الخميس بأن القاتل الصامت يترصد شرايين الإنسان الذي قضى ما يقرب من خمسين عاما من معرفة ودراية وتمكّن صحافيًّا وكاتبًا ومفكّرًا وناشرًا؛ ولكنه كان متواضعًا وناكرًا لذاته طبعًا وليس تطبعًا، وباذلاً جاهه لمن يعرف ومن لا يعرف.
** وفي خاتمى هذه المقالة التي دفع حسن الظن الإخوة في هذا الملحق الأغر وعلى رأسهم الابن الوفي الأستاذ فهد الشريف بأن أُشارك بها في الاحتفاء بتاريخ هذا الرائد المتواضع، لأسال اللّه العلي القدير أن يمنّ على هذا الإنسان بالصحة والعافية وطول العمر، وأن يرزقه ثواب صبره وتجلّده واحتسابه، إنّه على كل شيء قدير، وبالاجابة جدير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.